للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا إِذَا قَتَلَهُ مِعْرَاضٌ بِعَرْضِهِ، أَوَ بُنْدُقَةٌ ثَقِيلَةٌ ذَاتُ حِدَّةٍ، أوْ رُمِيَ فَوَقَعَ في مَاءٍ، أَوْ عَلَى سَطْحٍ ثُمَّ عَلَى الأَرْضِ.

===

يبق إلاّ مضطرباً اضطراب المذبوح، فإنه يحِلّ اتفاقاً، لأنّ هذا القدر من الحياة لا يعتبر، فكان ميتاً حكماً، وإذا كان ميتاً حكماً لا يكون محلاً للذبح.

قال الصدر الشهيد: إن هذا وِفاق، وقيل: هو قولُهما. وعند أبي حنيفة لا تحِلّ إلاّ إذا ذكَّاه بناءً على أنّ الحياة الحقيقية معتبرةٌ عنده غير معتبرةٍ عندهما. وقال بعض المشايخ: إن لم يتمكن لفقد الآلة لم يُؤْكَل اتفاقاً، لأنّ التقصير (١) من قِبَلِهِ حيث لم يحمل آلة الذكاة معه، وإن لم يتمكن لضيق الوقت لم يؤكل عندنا. وقال حسن بن زياد، ومحمد بن مُقَاتل: يحِلّ استحساناً، لأنّه لم يقدر على الأصل لِضِيق الوقت، فبقيت ذكاة الاضطرار مُوجِبة للحلّ. وبالاستحسان أخذ الإمام فخر الدين قاضيخان.

ولنا: أنه بالوقوع في يده لم يَبْقَ صيداً فلم يُعْتبر حُكْمُ ذكاة الاضطرار فيه، وصار كما لو خنقه الكلب ولم يَجْرَحْه.

(كَمَا) حرم الصيد (إِذَا قَتَلَهُ مِعْرَاضٌ) وهو السهم الذي لا ريش له (بِعَرْضِهِ) متعلّق بقتل، وإنّما حرم لما روى أصحاب الكتب الستة عن عَدِي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله إني أرمي بالمِعْراض الصيدَ فأَصيد، قال: «إذا أصاب بحدِّه فَكُلْ، وإذا أصاب بِعَرْضِهِ فقتل فلا تأكل، فإنه وقِيذٌ» (٢) .

(أَوَ) قتله (بُنْدُقَةٌ ثَقِيلَةٌ ذَاتُ حِدَّةٍ) لأنّ البُنْدُقة تَكْسِر ولا تَجْرَح، فكانت كالمِعْراض، ولأنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن الخَذْفِ (٣) وقال: «إنها لا تصيد ولكنها تكسر السِّنَّ، وتفقأُ العين». رواه أحمد والشيخان. قيّد بالثقيلة لأنها لو كانت خفيفة ذات حدّة لم يحرم لتيقن الموت بالجَرْح. والأصل هنا أن الموت إن حصل بالجَرْح بيقين يؤكل، وإن حصل بالثِّقَل أو شكّ فيه لا يؤكل فيه حتماً أو احتياطاً.

(أوْ رُمِيَ فَوَقَعَ) الصيد (في مَاءٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ ثُمَّ عَلَى الأَرْضِ) لاحتمال أنه مات بغير الرمي إِذْ كلٌّ من الماء والسقوط من عُلُوَ مهلكٌ، أمّا الماء فلما روينا من قوله عليه الصلاة والسلام: «إلاّ أن يجده قد وقع في ماء». وأمّا المُتَرَدِّي فلقوله تعالى:


(١) في المخطوط: التفقّد. والمثبت من المطبوع.
(٢) الوَقِيذُ: الذي يُغْشَى عليه لا يُدْرَى أميِّتٌ هو أم حَيٌّ. المعجم الوسيط ص ١٠٤٨، مادة: (وقذ).
(٣) الخَذْفُ: هو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبَّابتيك وترمى بها، أو تتخذ مِخْذَفَة من خشب ثم ترمي بها الحصاة بين إبهامك والسبابة. النهاية ٢/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>