للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ جَاءَ رَبُّهَا، إِنْ شَاءَ أَجازَ أَو ضَمِنَ الآخِذُ.

===

عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وَجَد ديناراً في السوق. فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم (فقال: «عَرِّفْهُ ثلاثة أيام». قال: فعرَّفه ثلاثة أيام، فلم يجد من يعرِفه، فرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم) (١) فأَخْبَره، فقال: «شأنك به» قال: فباعه عليّ، فابتاع منه بثلاثة دراهم شعيراً، وبثلاثة دراهم تمراً، وقضى ثلاثة دراهم، وابتاع بدرهم لحماً، وبدرهم زيتاً، وكان الدينار بأحد عشر درهماً، فلمّا كان بعد ذلك جاء صاحبه فعرَّفه، فقال عليّ: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأكلته) (٢) فانطلق صاحب الدّينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال لعليّ: «ردَّه إليه»، فقال: قد أكلته. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم للرجل: «إذا جاءنا شيءٌ أدّيناه إليك». ورواه أبو داود ولم يذكر فيه ثلاثة أيام.

فعُلِمَ أنّ التقدير بالسَّنَةِ ليس بعلّةٍ لازمةٍ في كل شيء، وإنما يُعرِّف مدّةً يتوهم أن صاحبها يطلبها، وذلك يختلف باختلاف المال وكثرته. وأمّا ما ورد من التقييد بالسنة فلعلّه لكون اللُّقَطَة المسؤول عنها كانت تقتضي ذلك، أو لأنّ الغالب في اللُّقَطَة أن يكون كذلك. ولو كانت اللُّقَطَة شيئاً يُعْلَمُ أنّ صاحبه لا يطلبه، كالنَّواةِ وقِشْر الرُّمان، يكون إلقاؤه إباحةً حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف، ولكنه يبقى على ملك مالكه، لأنّ التمليك من المجهول لا يصحّ وملك المبيح لا يزول بالإباحة.

قال شيخ الإسلام: ولو كانت متفرِّقة فجمعها الآخِذ ليس للمالك أَخْذُها بعد جمعها، لأنها تصير ملكاً له به. وكذا الجواب في التقاط السنابل بعد الحصاد وبه كان يُفْتِي الصدر الشهيد.

(فإِنْ جَاءَ رَبُّهَا) بعد التصدّق بها (إِنْ شَاءَ أَجازَ) التصدّق بها ولو بعد هلاكها، لأنّ التصدّق لم يحصل بإذنه فيتوقف على إجازته. والملك يثبت للفقير فيها قبل الإجازة فلا تتوقّف الإجازة فيها على قيام المحل. ولا فرق بين أن يتصدّق بأمر القاضي أو بغير أمره على الصحيح.

(أَوْ ضَمِنَ الآخِذُ) أي آخذ اللُّقطة لأنّه سلّم مالاً إلى غير صاحبه بغير إذنه إلاّ أنه بإباحةٍ من جهة الشرع. وهذا لا ينافي الضمان حقاً للعبد كما في تناول مال الغير حال المَخْمَصَة (٣) . وإن شاء ضَمَّنَ الفقير إن كانت اللُّقَطة هلكت في يده، لأنه قبض ماله بغير إذنه، ولا يرجع الفقير على المُلْتَقِطِ بما لِحِقه من الضمان كما لا يرجع الملتقط على الفقير، وإن كانت قائمةً أخذها، لأنها عين ماله، وبه قال مالك والثوريّ والحسن بن صالح.


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٣) سبق شرحها ص (٣)، التعليقة رقم: (٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>