للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا أَنْفَقَ عَلَيهَا بِلا إِذْنِ حَاكِمٍ تَبَرُّعٌ، وَبِإذْنِهِ دَيْنٌ عَلَى رَبِّهَا.

وَآجَرَ القَاضِي مَا لَهُ مَنْفِعَةٌ وَأَنْفَقَ عَلَيهَا كَالآبِقِ، وَمَا لا مَنْفَعَةَ لَهُ، أَذِنَ بِالإِنْفَاقِ إِنْ كَانَ الإِنْفاقُ أَصْلَحَ، وَإِلَّا بَاعَ.

وَلِلْمُنْفِقِ حَبْسُهَا لأَخْذِ النَّفَقَةِ، فَإنْ هَلكَتْ بَعْدَ الحَبْسِ سَقَطَتْ، فَإِنْ بَيَّن مُدَّعِيهَا عَلامَتَهَا

===

وقال الشَّافعيّ وأحمد: إذا لم يجاء ربها بعد التعريف، مَلَكَها الملتقط بحكم القرض، فصارت كسائر أمواله، غنياً كان الملتقط أو فقيراً، لما في حديث مسلم السابق عن أبيّ بن كعب في رواية: «وإلاّ فهي كسبيل مالك».

ولنا: ما أخرجه البزَّار في «مسنده» والدَّارَقُطْنِيّ في «سننه» عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن اللُّقطة فقال: «لا تحلّ اللُّقَطَة، فمن التقط شيئاً فليعرّفه سنةً، فإن جاء صاحبها فليردّه إليه، وإن لم يأتِ فليتصدّق به. فإن جاء فليُخيّره بين الأجر وبين الذي لهُ». (وَمَا أَنْفَقَ) الملتقط (عَلَيْهَا) على اللُّقَطَة وكذا حكم اللقيط (بِلَا إِذْنِ حَاكِمٍ تَبَرُّعٌ) لقصور ولايته عن ذمة المالك، وصار كما لو قضى دين غيره بغير أمره (وَبِإِذْنِهِ) أي الحاكم (دَيْنٌ عَلَى رَبِّهَا) لأنّ للحاكم ولاية في مال الغائب نظراً له، وقد يكون النظر في الإنفاق (وَآجَرَ القَاضِي مَا) أيّ شيئاً (لَهُ مَنْفِعَةٌ) من البهائم (وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا) من أجرتها، لأنّ في ذلك إبقاءً للعين على ملك المالك من غير إلزام الدَّين عليه. (كَالآبِقِ) كما أنّ الآبِق يُفْعَل به ذلك.

(وَمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ أَذِنَ) القاضي (بِالإِنْفَاقِ) عليه (إِنْ كَانَ الإِنْفاقُ أَصْلَحَ) وجعل النفقة دَيناً على مالكه، لأنّ القاضي نُصب ناظراً لمصالح الناس، وفي هذا نظر لجانب المالك بإبقاء عين ماله ولجانب الملتقط بالرُّجوع (وَإِلاَّ) أي وإن لم يكن الإنفاق أصلح بأن كانت النفقة تستغرق قيمة اللُّقطة (بَاعَ) القاضي اللُّقَطة وأمر بحفظ ثمنها إبقاءً لها معنىً عند تعذّر إبقائها صورةً. قالوا: وإنما يأذن بالإنفاق يومين أو ثلاثة على قَدْر ما يرى رجاءَ أن يَظْهَر مالكها، فإن لم يظهر أمر ببيعها لأنه لا نظر في الإنفاق مدّة مديدةً.

(وَلِلْمُنْفِقِ حَبْسُهَا لأَخْذِ النَّفَقَةِ) لأنها حَييَتْ بنفقته فصار المالك كأنّه استفاد الملك من جهته فأشبه المبيع (فَإِنْ هَلكَتْ) اللُّقطة (بَعْدَ الحَبْسِ سَقَطَتْ) النَّفَقَة التي حُبِسَتْ لأجلها لأنها تصير بالحبس كالرَّهن.

(فَإِنْ بَيَّنَ مُدَّعِيهَا) أي اللُّقَطَة (عَلَامَتَهَا) كأن سمّى الدارهم أو الدنانير وعددها

<<  <  ج: ص:  >  >>