للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَّ الدَّفْعُ، وَلا يَجبُ بِلا حُجَّةٍ.

وَيَنْتفَعُ بِهَا فَقِيرًا، وَإلَّا تَصَدَّقَ بِهَا، وَلَوْ عَلَى أصْلِهِ وَفَرْعِهِ وعِرْسِهِ.

===

ووكاءها (حَلَّ الدَّفْعُ) أي جاز دفعها إليه (وَلَا يَجِبُ) الدَّفع (بِلَا حُجَّةٍ) وهو قول الشّافعيّ. وقال مالك وأحمد وأبو داود وابن المُنْذِر: يجب الدفع بالعلامة، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: «فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها، فأعطه إيّاها».

ولنا أنه مدّعٍ وعلى المدّعي البيّنة، والعلامة لا تدلّ على أنّها له، إذ قد يقف الإنسان على علامةٍ في مال صديقه، ولا يقف على علامةٍ في مال نفسه. والأمر في قوله عليه الصلاة والسّلام: «فأعطه إيّاها» للإباحة، ولو دفعها بالعلامة يأخذ من صاحبها كفيلاً بلا خلافٍ لاحتمال أن يجيء غيره ويقيم البيّنة أنّها له، فيضمن ولا يمكنه الرّجوع على الذي أخذها لخفائه، ولو دفعها بالعلامة فجاء آخر وأقام بيّنة أنّها له، فإن كانت قائمةً أخذها، وإن كانت هالكةً ضَمن أَيَّهُما شاء لتعدّيهما بالدفع والأخذ، ورجع الملتقط على الآخِذ ولا يرجع الآخِذ على أحد.

(وَيَنْتَفِعُ) الملتقط (بِهَا) حال كونه (فَقِيراً، وَإِلاَّ) أي وإن لم يكن الملتقط فقيراً (تَصَدَّقَ بِهَا وَلَوْ عَلَى أصْلِهِ وَفَرْعِهِ وعِرْسِهِ) (١) لحصول المقصود بالكلّ وهو التصدّق على المحتاج. ولو التقط العبد شيئاً بغير إذن مولاه يجوز عندنا وعند مالك وأحمد والشّافعيّ في قولٍ، فإن أتلفه طُولب ربُّهُ بقضاء الدين أو بالبيع، سواء أتلفه قبل التعريف أو بعده، وبه قال أحمد والشافعي (في وجهٍ) (٢) . وعند مالك إن أتلفه قبل التعريف يؤمر المولى بالدفع أو الفداء، وإن أتلفه بعد التعريف يُطالب العبد بعد العتق، لأنّ الشرع أذن له في الانتفاع فكان ضماناً يخصّه، فلا يظهر في حق المولى.

ويُلْتَقَطُ إبلٌ وبقرٌ وغنمٌ ونحوها وجوباً إن خِيف ضياعها على مالكها من خيانة، أو لكونها في مَضْيَعَةٍ (٣) وإلاّ نَدْباً لما في الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ قال: لما فتح الله تعالى على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إنّ الله حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنّها لم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأنّها أُحِلَّت لي ساعةً من نهارٍ، وأنّها لا تحِلُّ لأحدٍ بعدي فلا يُنَفَّرُ صيدُها، ولا يُخْتَلَى شوكُها،


(١) العِرْسُ: الزَّوْج، يقال: هو عِرْسُهَا، وهى عِرسُهُ. المعجم الوسيط ص ٥٩٢، مادة: (عرس).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٣) المَضْيَعَةُ: المفازة المنقطعة يضيع فيها الإنسان وغيره. المعجم الوسيط ص ٥٤٧، مادة: (ضاع).

<<  <  ج: ص:  >  >>