للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنُدِبَ أَخْذُ الآبِقِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيهِ. وَتَرْكُ الضَّالِّ، قِيلَ: أَحَبُّ،

===

ولا تَحِلُّ ساقطتُها إلاّ لمنشدٍ» … الحديث.

وفي الكتب الستة عن زيد بن خالد الجُهَنِيّ قال: جاء رجلٌ فسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن اللُّقَطة فقال: «اعرف عِفَاصها ووِكَاءَها ثم عرّفها سنةً، فإن جاء صاحبها وإلاّ فشأنك بها». قال: فَضَالَّةُ الغنم؟. قال: «هي لك أو لأخيك أو للذئب». قال: فَضَالَّةُ الإبل؟ قال: «ما لك ولها؟ معها سِقاؤها وحِذَاؤها تَرِد الماء وترعى الشجر، فَذَرْهَا حتى يلقاها ربّها». ولهذا منع مالك من التقاط الإبل في الصحراء. وحمَلَه مشايخنا على ما لم يخف ضياعها من يدٍ خائنة، بدليل قوله: «حتى يلقاها ربّها».

ويحلّ أخذ التُّفاح والكُمَّثْرَى (١) من الأنهار الجارية بين البساتين، لأن هذا ممّا يفسد لو تُرِكَ، وكذا أخذ ما لا يبقى من الثِّمار الواقعة تحت الأشجار في غير الأمصار على القول المختار، لأنه يعلم أنّ مالكه لا يطلبه عادةً.

ولو سَيَّبَ صيدَه أو دابته لهُزَالها، فأخذها غيره وأصلحها، بأن داواها وعلفها وسقاها حتى صارت ممّا يُنْتَفَعُ بها، فإن قال عند التسييب: جعلتها لمن أخذ، ليس له أن يأخذها منه، لأن التمليك من المعلوم صحيح والزيادة تمنع من الرُّجوع. وإن لم يقل ذلك جاز له أخذها لِمَا قَدَّمنا من عَدَمِ جواز التمليك من المجهول. ولو أُخِذَ نعله ووجد غيره مكانه لا يملكه لعدم تمليكه من مالكه، ويصير كاللُّقطة في الحكم لاحتمال أن يكون لغير مَنْ أخذه.

(وَنُدِبَ أَخْذُ الآبِقِ) وهو المملوك الذي فرّ من مالكه قصداً، اسم فاعل من أَبَق، ومنه قوله تعالى: {إِذْ أَبَقَ إلَى الفُلْكِ المَشْحُونِ} (٢) (لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ) أي قدر على أخذه وحفظه إلى أن يوصله إلى سيده، لِمَا فيه من إحياء ماله ونفعه، ولا خلاف في ذلك بين العلماء.

(وَتَرْكُ الضَّالِّ) وهو المملوك الذي ضلّ الطريق إلى منزل مولاه (قِيلَ: أَحَبُّ) وقيل: يُنْدَبُ أخذه كالآبق. ووجه الأول وهو الفرق، أنَّ الضَّال لا يبرح مكانه (فيجده مالكه) (٣) ولا كذلك الآبق. ثم آخِذ الآبق يأتي به إلى السلطان، لأنه لا يَقْدِر على حفظه بنفسه عادةً، بخلاف اللَّقِيط واللُّقَطة، وهذا اختيار السَّرَخْسِيّ.

وقال الحَلْوَانِيّ: الآخذ بالخيار، إن شاء حفظه، وإن شاء دفعه إلى الإمام، وكذا


(١) الكُمَّثْرَى: يُسَمَّى الإنجاص في الشام، ويُسَمَّى البرقوق في مصر. المعجم الوسيط ص ٧٩٧، مادة: (كَمثَرَ).
(٢) سورة الصافات، الآية: (١٤٠).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>