للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالجَامِعُ أَوْلَى لِجُلُوسِهِ الظَّاهِرِ.

===

ولا كلّ قاضٍ يَعْدِل. وفي الجُثُوِّ بين يدي القاضي ذُلٌّ فكان إضراراً بالصغار بهذا الاعتبار، وكذا الأب في أظهر الروايتين. ولو أخذ الأب مال الابن قرضاً لنفسه قالوا: يجوز، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنه لا يجوز.

ويجوز للقاضي أن يحكم بعلمه عندنا كما يحكم بعلمه بعد ثبوت البيّنة، وهو قول للشّافعيّ ورواية عن مالك وأحمد. وقال الشافعي في قول ومالك وأحمد في ظاهر مذهبه: لا يَحْكم لأنّه يُتَهم في الحكم بعلمه، كالحكم لولده.

ولو رأى شيئاً قبل أن يقلَّد القضاء أو في غير مصره الذي هو قاضيه، لا يحكم عند أبي حنيفة ومالك، ويحكم عند أبي يوسف ومحمد والشَّافعيّ في قول، وأحمد في رواية، لأن العلم حاصلٌ له كعلمه في حال قضائه أو في مصره. ولأبي حنيفة: أنه عِلم شهادةٍ لا عِلم قضاء، فلا يصير موجِباً إلاّ بلفظ الشهادة والعدد.

(وَالجَامِعُ) الذي في وسط البلد (أَوْلَى) من داره (لِجُلُوسِهِ الظَّاهِرِ) وهو الجلوس الذي يأتي الناس فيه لقطع الخصومات، كيلا يشتبه مكانه على الغرباء وبعض المقيمين في البلد.

والحاصل: أنّ جلوسه للحكم في أَشهر الأماكن ومجامع الناس بلا حاجبٍ ولا بوّابٍ أفضل، ولو جلس في أي مكان شاء جاز. وقال الشَّافعيّ: يكره الجلوس في المسجد للقضاء، لأنه يحضره المشرك وهو نجس، والحائض وهي ممنوعة عن دخوله.

ولنا: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى في المسجد الجامع، وكذلك الصحابة والتابعون لما في الصحيحين عن سَهْل بن سَعْد في قصة اللِّعَان: أنّ رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً إلى أن قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهدٌ. ولما أخرجه الجماعة إلاّ الترمذي عن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَدٍ ديناً كان عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجْف حُجْرَتِهِ فنادى: «يا كعب»، قال: (لبّيك) (١) يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشطر (٢) من دَينك. قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، قال: «قم فاقضه».

والسَِّجْف بفتح السين وكسرها: السِّتْر. وفي البخاري: ولَاعَنَ عمر عند منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقضى شُرَيْح والشَّعْبِيّ ويحيى بن يَعْمُر في المسجد. وقضى مروان على


(١) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط. وهي صحيحة لموافقتها لما في صحيح مسلم ٣/ ١١٩٢، كتاب المساقاة (٢٢). باب: استحباب الوضع من الدين (٤)، رقم (٢٠ - ١٥٥٨).
(٢) في المطبوع: الشغر، والمثبت من المخطوط. وهو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>