للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إِلّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، أو مِمَّنْ اعْتَادَ مُهَادَاتَهُ قَبْلَ القَضَاءِ قَدْرًا عُهِدَ إِذا لَمْ يَكنْ لَهُمَا خصُومَةٌ.

===

زيد بن ثابت باليمين عند المنبر.

وأخرج ابن سعد في «الطبقات» عن رَبِيعَة بن أبي عبد الرحمن أنه رأى أبا بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم يقضي في المسجد عند القبر، وكان على القضاء بالمدينة في ولاية عمر بن عبد العزيز. وأخرج أيضاً عن سعيد بن مسلم بن فاتك قال: رأيت سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عَوْف يقضي في المسجد، وكان قد وُلِّيَ قضاء المدينة. وأمّا استدلال صاحب «الهداية» بقوله عليه الصلاة والسلام: «إنّما بُنيت المساجد لذكر الله والحُكْم» (فقوله: والحكم) (١) غير معروفٍ، وإنما المحفوظ في مسلم حديث أنس في بول الأعرابي في المسجد قال أنس: ثم إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القَذَر، إنّما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن».

ولأنّ القضاء عبادةٌ فيجوز إقامتها في المسجد كالصلاة، ونجاسة المشرك في اعتقاده فلا يُمنع من دخوله، والحائض تُخْبِر بحالها، فيخرج القاضي إليها، أو تبعث من يفصل بينها وبين خصمها، كما إذا كانت الخصومة في دابة. ويستحب له أن يقعد مع أهل العلم ويُجْلِسهُمْ قريباً منه للمشورة، وكذا أهل العدل للشهادة بخلاف الأعوان، فإنّ بُعدَهم أولى لحصول الهيبة.

ولا يقضي في حال شُغْلِ قلبه بشيء، فلا يقضي وهو: غَضْبَان، أو فَرْحَان، أو جائع، أو عَطْشَان، أو مهموم، أو نَعْسَان، أو حاقن، أو متألّم من حَرَ، أو بردٍ. وينبغي أن يتّخذ مترجماً ثقةً ليُبَيِّن له ما لا يعرفه من لسان الخصم، لأنه عليه الصلاة والسلام أمر زيد بن ثابت أن يتعلّم العبرانية. وكان يترجم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمّن كان يتكلم بين يديه بتلك اللغة، وكذا يتّخذ كاتباً أميناً عدلاً صالحاً وَرِعاً.

(وَلَا يَقْبَلُ) القاضي من أحدٍ (هَدِيَّةً) وهي ما تُعْطَى لأجل المحبة (إِلاّ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) لأنه من صلة الرحم (أو)

إلاّ (مِمَّنْ اعْتَادَ مُهَادَاتَهُ قَبْلَ القَضَاءِ) لقوله عليه الصلاة والسلام: «تَهَادَوا تَحَابُّوا» (٢) (قَدْراً عُهِدَ) من ذلك المهدي حتى لو زاده عليه لا يَقْبَل الزِّيادة (إِذا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا) أي لذي الرّحم المَحْرَم ولمن اعتاد الإهداء للقاضي قبل القضاء (خُصُومَةٌ) حتى لو كان لأحدهما خصومة لا يقبل القاضي هديته ما دامت


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٢) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط". ٧/ ٢٣٤، حديث رقم (٧٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>