وَفِي نَفَقَةِ عِرْسِهِ، وَفِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ، لا في دَيْنِهِ، وَفِي غَيْرِهَا لا، إِذَا ادَّعَى فَقْرَهُ، إِلّا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِضِدِّهِ.
===
وعهد أبي بكر سجن، وإنّما كان يحبس في المسجد أو الدِّهْلِيز (١) بالرَّبط، حتى اشترى عمر داراً بمكة بأربعة آلاف درهمٍ فاتخذه مَحْبَساً. وقيل: بل لم يكن في زمن عمر ولا عثمان إلى زمن عليّ، فبنى سجناً وسمّاه نافعاً، فانفلت الناس منه فبنى آخر وسمّاه مَحْبَساً (بِطَلَبِ وَلِيّ الحَقّ) حبسه، لأنه يحبس لأجل حقّه فلا بدّ من طلبه (إن امْتَنَعَ) المديون (المُقِرُّ عَنِ الإيفَاءِ) بعدما أمر القاضي له بالأداء (أَوْ ثَبَتَ الحَقُّ بِالبَيِّنَةِ فِيمَا لَزِمَهُ) متعلّق بـ: يحبس (بِعَقْدٍ) متعلّق بلزم (كَالْكَفَالَةِ) لأنّ التزامه المال باختياره دليلٌ على يَسَاره ظاهراً، إذ العاقل لا يلتزم ما لا يَقْدِرُ على أدائه.
(أوْ بَدَلِ مَالٍ) عطفٌ على بعقد، أي وفيما لزمه بدل مال (حَصَلَ لَهُ) كثمن المبيع وبدل القرض، لأن دخول المال في يده مُثْبِت لغناه (وَفِي نَفَقَةِ عِرْسِهِ) المقدّرة، لأنّه بالامتناع عن الإنفاق عليها صار ظالماً (وَفِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ) لأنها لإحيائه (لَا في دَيْنِهِ) أي لا يحبس الوالد في دينٍ عليه لولده، لأنّ الحبس عقوبةٌ فلا يقع من الولد على والده إكراماً له، وكذا الوالدة والجدّ والجدّة، وإن عَلَوْا كالحدود والقصاص، إلاّ إذا أبى من الإنفاق عليه طفلاً. وكذا كلّ من وجبت عليه نفقته من جدّ أو جدّة، لأنها تسقط بمُضِيّ الوقت، فلو لم يحبس عليها تفوت بخلاف سائر الديون.
(وَفِي غَيْرِهَا) أي غير هذه الأشياء كضمان المُتْلَفات وأَرْش الجنايات، ونفقة الأقارب (لَا) أي لا يَحْبِس القاضي الخصم (إِذَا ادَّعَى فَقْرَهُ) لعدم وجود أَمارة تدلّ على غناه (إِلاّ إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ) من المدّعي (بِضِدِّهِ) أي بضد فَقْر الخصم وهو غناه. فلو قال بغناه، لكان أظهر في مدَّعاه.
والمعنى: فحينئذٍ يَحْبِسه بقدر ما يرى، لأنه مدّعي الفقر، وهو متمسك بالأصل إذ الآدمي حين يولد لا مال له، فكان القول له ما لم يكذبه الظاهر، كما فيما لزم بعقدٍ أو بدل مالٍ. واختيار الخَصَّاف وهو مروي عن الأصحاب: أن القول لمن عليه الدين، سواء كان بدل مالٍ أو لا، لأنّ الفقر أصلٌ والغنى عارضٌ فاحتيج إلى إثباته. ثم بعد ذلك يسأل القاضي جيرانه وأهل الخبرة به عن ماله احتياطاً لا حتماً، فإن شهد شاهدان عنده أنه قادرٌ على قضاء الدين أبَّدَ حبسه، وإن لم يظهر له مال بأن قالوا: إنه ضيق
(١) الدِّهْليز: المدخل بين الباب والدَّار. المعجم الوسيط ص ٣٠٠.