للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإذَا شَهِدُوا عَلَى حَاضرٍ، حَكَمَ وَكَتَبَ بِهِ، وَهُوَ السِّجِلُّ، وَعَلَى غَائِبٍ لا،

===

الحال، أطلقه لقوله تعالى: {وَإنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} (١) ولو رأى أنْ يسأل عنه قبل مُضِيِّ مدّة الحبس كان له ذلك.

وأمّا السؤال قبل الحبس وقَبول بيّنة الإعسار، فعن محمد يقبل، وبه أفتى محمد بن الفضل وإسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة، وهو قول الشّافعيّ. والأكثر أنها لا تقبل قبل الحبس، وهو قول مالك، وهو الأصح. فإنَّ بيّنةَ الإعسار بيِّنةٌ على النفي، فلا تقبل حتى تتأيّد بمؤيِّد، وبعد مضي المدّة تأيّدت، إذ الظاهر أنه لو كان له مالٌ لم يتحمل ضيق السجن وَمرَازِئَهُ (٢) .

ولو طلب المديون يمين المدَّعي أنه لا يعلم أنه مُعِسرٌ حلّفه، فإن نكل أطلقه ولو قبل الحبس، وإن حلف حبسه. ولغريمه ملازمته بعد خروجه من الحبس، وأخذ فضل كسبه عند أبي حنيفة لعدم تحقّق القضاء بالإفلاس عنده إِذْ المال غادٍ ورائحٌ. ولأن وقوف الشهود على عسرته من حيث الظاهر، فيصلح لدفع الحبس عن المديون لا لإبطال حقّ الغريم في الملازمة. ومَنَعَاه من ملازمته وأَخْذ فضل كسبه، لأن القضاء بالإفلاس يصحّ عندهما، فتثبت العسرة فتجب النَّظِرَة إلى أن يقيم بيّنة على أنه اكتسب مالاً يفي بدينه كلّه أو بعضه، فحينئذٍ يؤمر بحبسه. وتُقَدَّم بيّنة اليَسار على بيّنة العِسار، لأنها تُثْبِتُ أمراً عارضاً.

(وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى) خصمٍ (حَاضِرٍ حَكَمَ) القاضي لوجود الحُجَّة (وَكَتَبَ بِهِ) أي بحكمه (وَهُوَ) أي هذا المكتوب (السِّجِل وَ) إن شهدوا (عَلَى غَائِبٍ لا) أي لا يحكم القاضي، لأنّ القضاء على الغائب لا يجوز، وكذا للغائب عندنا إلاّ أن يكون له وكيلٌ عنه أو وصيٌّ ولو من جهة القاضي. وجوَّز مالكٌ والشافعي القضاء عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البيّنةُ على المدَّعي، واليمين على من أنكر» (٣) . فاشتراط حضور الخصم زيادة عليه بلا دليل.

ولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ حين استقضاه علي اليمن: «لا تقضِ لأحد الخصمين بشيء حتى تسمع كلام الآخر، (فإنك إذا سمعت كلام الآخر) (٤) علمت كيف تقضي». رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٨٠).
(٢) في المخطوط: مرارته، والمثبت من المطبوع. ومعنى المَرْزِئَة: المصيبة. المعجم الوسيط ص ٣٤١، مادة: (رزأ).
(٣) أخرجه الترمذي في سننه ٣/ ٦٢٦، كتاب الأحكام (١٣)، بابَ ما جاء في أن البينة … (١٢)، رقم (١٣٤١).
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>