وفي نفوذ القضاء على الغائب روايتان: ذكر شمس الأئمة وشيخ الإسلام أنه ينفذ.
(بَلْ يَكْتُبُ كِتَاباً حَكِيماً لِيَحْكُمَ) القاضي (المَكْتُوبُ إِلَيْهِ) وهذا الكتاب هو نقل الشهادة في الحقيقة، لأن القاضي الكاتب لم يحكم بالشهادة، وإنّما نقلها إلى المكتوب إليه ليحكم بها، ولهذا يحكم المكتوب إليه برأيه، وإن خالف رأى الكاتب، بخلاف السِّجِل فإنه ليس لأحد أن يخالفه ولا أن ينقض حكمه إذا كان في فصلٍ مجتَهَدٍ فيه أو متفقٍ عليه (إلاّ في حَدَ وَقَوَدٍ) فلا يكْتُب فيهما كتاباً حكمياً.
وقال مالك وأحمد: يكتب فيهما، لأنّ الاعتماد على الشهود. ولنا: أن في كتاب القاضي شبهة وهما لا يثبتان معهما. وفي ظاهر الرِّواية: أن كتاب القاضي لا يُقْبَل في المنقولات لأنها تحتاج إلى الإشارة إليها عند الدَّعوى والشهادة بخلاف العَقار وغيره من الحقوق، لأنها تعرف بالوصف. وعن محمد: أنه يُقْبَل في جميع ما ينقل، وعليه الفتوى وعمل المتأخرين، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قولٍ.
(فَيَقْرَأُ القَاضِي) الكتاب (عَلَى الشُّهُودِ) الذين ينقلون الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه، ويشهدون لديه أنّ هذا كتابٌ إلى فلان القاضي أو يعلمهم بما فيه، لأنهم يشهدون عند الثاني ولا شهادة بدون العلم، وهي بأحد هذين الطريقين. (وَيَخْتِمُ عِنْدَهُمْ) أي بحضرتهم كيلا يتوهم تغييره، وهذا شرطٌ عند أبي حنيفة ومحمد والشَّافعيّ ومالك وأحمد في رواية (وَيُسَلَّمُ إِلَيْهِمْ) على قول أبي حنيفة ومحمد وإلى المدَّعِي على قول شمس الأئمة، وهو المختار للفتوى.
(وَعِنْدَ أَبي يُوسُفَ يَكْفِي) أن يُشْهِدَهم أنّ هذا كتابه وخَتْمه، وبه قال مالك في روايةٍ، (وَعَنْهُ أَنّ الخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ) فسهّل في ذلك لما ابتلي بالقضاء، واختاره شمس الأئمة السَّرَخْسِيّ، وما قاله أبو حنيفة ومحمد أحوط.
(ثُمَّ) القاضي (المَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يقبله (١) إلاّ بُحضُورِ الخَصْمِ وَالبَيِّنَةِ) أي وإلاّ بالبيّنة عند أبي حنيفة ومحمد (عَلَى أنّه كِتَابُ فُلَانٍ قَرَأَهُ عَلَيْنا وَخَتَمَهُ وَسَلَّمَهُ) لئلا يكون الكتاب زُوراً. وقال أبو يوسف: يَقبل القاضي المكتوب إليه بلا بيّنة، ولكن لا يعمل به إلاّ بالبيّنة.