للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصَحَّ تَحْكِيمُ الخَصْمَين

===

لِمَا يدَّعي على الحاضر، كما لو قال رجلٌ لامرأته: إن طلّق فلانٌ امرأته فأنت طالقٌ، ثم برهنت المرأة على أنّ فلاناً طلّق امرأته وفلانٌ غائبٌ لا يُقبل منها، ولا يُحْكم بوقوع الطّلاق عند عامة المشايخ. بخلاف ما لو قال: إذا دخل فلان الدَّار فأنت طالقٌ، وبرهنت على دخول فلانٍ وهو غائبٌ، حيث يُقْبَل ويُحْكم بوقوع الطَّلاق، لأنّ هذا ليس بقضاء على الغائب، إذ ليس فيه إبطال حقّ له. وأفتى بعض المتأخرين بقبول البيّنة ووقوع الطلاق في المسألة الأولى، منهم فخر الإسلام، لأن دعوى المدَّعي كما تتوقف على السبب تتوقف على الشرط، والأصحّ خلافه، وبه كان يُفْتِي المَرْغِينَانِيّ.

وقال الشّافعيّ: يجوز الحكم على الغائب عن البلد وعن مجلس الحكم إذا كان مستتراً في البلد قولاً واحداً، وبه قال مالك وأحمد. وللشّافعي في الغائب عن مجلس الحكم غير مستتر في البلد قولان: أصحّهما: أنه لا يحكم بدون حضوره، (وبه قال مالك وأحمد: لأنّ في المستتر تضييعَ الحقوق وفي غيره لا) (١) . والثاني: أنه يحكم عليه لوجود الحجّة وظهور الحقّ.

ولنا: أن القضاء لقطع المنازعة، ولا منازعة بدون الإنكار ولم يوجد. وأمّا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان: «خذي من ماله ما يكفيكِ ووَلَدَكِ بالمعروف» (٢) . فلم يكن قوله عليه الصلاة والسلام قضاءً على أبي سفيان، بل كان فتوى لها.

(وَصَحَّ تَحْكِيمُ الخَصْمَيْنِ) لقوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} (٣) . ولعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحكيم سعد بن مُعَاذ في بني قُرَيْظَةَ بسَبْي ذَراريِّهم وقتل مقاتليهم كما في الصحيح. ولِمَا قال أبو شُرَيْحٍ: يا رسول الله إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أَتَوني فحكمت بينهم فَرَضِيَ عني الفريقان، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما أحسن هذا». رواه النَّسائي. ورُوِيَ أنه كان بين عمر وأُبَيّ بن كعب منازعةٌ في نخلٍ، فحكَّما بينهما زيد بن ثابت. فأتياه فخرج زيد وقال لعمر: هلاَّ بعثت إليّ فأتيتك يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: في بيته يُؤتَى الحَكَم فدخلا بيته فألقى لعمر وِسَادة، فقال عمر: هذا أول جورك، وكانت اليمين على عمر، فقال زيد لأُبيّ: لو أعفيت أمير المؤمنين، فقال عمر: عن يمين لزمتني، فقال أُبَيّ: نُعفي أمير المؤمنين ونَصْدُقُه. ولأنّ لهما ولاية على أنفسهما، فصحّ تحكيمهما.


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري) ٩/ ٥٠٧، كتاب النفقات (٦٦)، باب إذا لم ينفق الرجل … (٩)، رقم (٥٣٦٤).
(٣) سورة النساء، الآية: (٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>