للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والاثنانِ أَحْوَطُ في التَّزْكيةِ، وفي ترجمةِ الشاهد، وفي الرسالة إِلى المُزكِّي.

ولا يُشْتَرَطُ الإِشهادُ إِلا في الشهادةِ على الشَّهادةِ، ولا يَشْهدُ منْ رأَى خَطَّه ولم يَذْكُرْ شَهَادَتَه،

===

وتزكيةُ العلانيةِ أَنْ يَجمعَ القاضي بين المزكِّي والشهود (١) في مجلس القضاء، فيسأَل المزكي عن الشهود بحضرتهم: (أَهؤلاء عدول مقبولو الشهادة ليزكيهم أَوْ يجرحهم، وفيه نفي شبهة تعديل غيرهم) (٢) .

وكانت التزكية في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام وأَصحابه علانية، لأَن المُعدِّل كَان لا يَتَوقى عن الجرح، ولا يخاف من المُدَّعي، ولا من الشهود، لأَنهم كانوا مُنقادين للحق ولا يُقَابِلُونه بالأذى لو جَرَحَهم، ووقع الاكتفاء بتزكية السِّر في زماننا وتركت تزكية العلانية، لأَنها بلاءٌ وفتنةٌ، إِذْ الشهود والمُدَّعي يُقَابِلون الجارح بالأَذى والإضرار.

(والاثنان أَحوط في التزكية) أَي تزكيةُ السر، أَما في تزكية العلانيةِ فالعدد شرط بالإِجماع، لأَن معنى الشهادة فيها أَبْين، فإِنها تختصُ بمجلس القضاء (وفي ترجمةِ الشاهد) أَي ترجمة المُترجِم عن الشاهد (وفي الرسالة) أَي رسول القاضي (إِلى المُزكِّي) ويجوز الواحد عند أَبي حنيفة وأَبي يوسف، وبه قال مالك وأَحمد في رواية. وعند محمد والشافعي: يُشترط في التزكيةِ ما يُشْتَرط في الشهادة من العدد ووصفِ الذكورة، حتى يُشترط في تزكية شهود الزنا أَربعة ذكور، وفي غيره من الحدود والقصاص رجلان.

(ولا يُشترطُ الإِشهاد إِلا في الشهادةِ على الشهادة) فإِنها لا تجوز إِلا إِنْ أَشهده عليها، فمن رأَى الغصب، أَوْ النهب، أَوْ القتل، أَوْ الجرح، أَوْ السرقة، أَوْ سمع الإِقرار بمال أَوْ منفعة، أَوْ البيع، أَوْ الإِجارة، أَوْ النكاح، أَوْ الهبة، أَوْ حُكم قاض، جاز له أَنْ يَشْهدَ (به) (٣) ، وإِن لم يُشْهَدْ عليه، لأَنه عَلِم بما هو مُوجِبٌ بنفسه عِياناً، وذا مطلقٌ للأَدَاء، قال الله تعالى: {إِلاْ مَنْ شَهِدَ بالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُوْنَ} (٤) وإِذا سمعَ شاهداً يشهدُ بشيء لم يَجز له أَنْ يشهدَ على شهادته إِلا أَنْ يُشهِده.

(ولا يشهدُ مَنْ رأَى خَطَّه ولم يذكرْ شَهَادَتَه) لأَن الخطَّ يُشبه الخط، وكذا لا يروي راوٍ وجد بخطه أَوْ بخط غيره أَنه قرأَ على فلان، أَوْ سمع كذا حتى يذكر


(١) في المخطوط: "يجمع القاضي بين المزكِّي وبين المزكَّى وبين الشهود .. ".
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من "الهداية". انظر "فتح القدير" ٦/ ٤٦٢.
(٤) سورة الزخرف، الآية: (٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>