للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا منْ أَعْمَى، ومَمْلُوكٍ، ومَحْدُودٍ في قَذْفٍ وإن تَابَ، إلَّا مَنْ حُدَّ في كُفْرِهِ فَأَسْلَم.

===

زماننا فلا تقبل شهادةُ العمال لغلبة ظلمهم.

وتقبل شهادة الإنسان لأَخيه، وعمّه، وأَبويه، رضاعاً، وامرأَة ابنه، وزوج بنته، وأَصل امرأَته وفرعها، لأَن الأَملاك بينهم متميِّزة، والأيادي متغيرة (١) .

(لا من أَعمى) أَي لا تُقبل الشهادة من أَعمى. وقال زُفَر وهو رواية عن أَبي حنيفة: تُقبل فيما يجري فيه التسامع، وبه قال مالك والشافعي وأَحمد، وكذا أَبو يوسف، وهو قول النَّخَعي، والحسن البصري، وسعيد بن جُبير، والثَّوري، لأَن الحاجة في ذلك إِلى السماع، ولا خلل من الأعمى في ذلك. وأَما شهادته في الحدود والقصاص فلا تقبل بالإِجماع. وفي «المبسوط»: ولا تجوز شهادة الأخرس، لأَن الأداء يختص بلفظ الشهادة، وهي لا تتحقق منه. وقال الشافعي: في الأَصح تقبل إِذا كان له إِشارة مفهومة.

(و) لا من (مملوك) لأَن الشهادة من باب الولاية، وهو لا يلي على نفسه، فأَولى أَنْ لا يليَ على غيره، (و) لا من (محدودٍ في قَذْفٍ وإِنْ تاب) أَي أَظهرَ توبتَه وكذَّب نفسه في قذفِه. وقال مالك والشافعي وأَحمد: تقبل لقوله تعالى: {ولا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدَاً وأَولئك هُمُ الفَاسِقُونَ إِلاَّ الذينَ تَابُوا} (٢) فإِنّ الاستثناء إِذا تعقب جُملاً بعضُها معطوفة على بعض ينصرف إِلى الكل، كقول القائل: امرأَته طالقٌ وعبده حرٌ، وعليه الحجّة إِلا أَنْ يدخل الدار، فإِن الاستثناء ينصرف إِلى جميع ما تقدم.

ولنا أَنْ قوله تعالى: {ولا تَقْبَلوا لهم شَهادةً أَبداً} معطوف على قوله: {فاجلِدُوهم} والعطفُ للاشتراك، فيكون رد الشهادة من حد القذف. والحد لا يرتفع بالتوبة، ولا نُسلِّم أَنَّ الاستثناء في الآية يَعقُب جُملاً بعضها معطوف على بعض، لأَنه يعقب جُملة: {وأَولئك هم الفَاسِقُونَ} وهي جُملةٌ مستأْنفة، لأَن ما قبلها أَمرٌ ونهيٌ، فلم يَحسُنُ عطفها عليه، بخلاف المثال، فإِن الجمل كلها فيه إِنشائية معطوفة، فيتوقف كلها على آخرها، حتى إِذا وجد المغيّر تغير الكل. وقال ابن عباس: التوبةُ فيما بينه وبين الله، فأَما نحن فلا نقبلُ شهادَته. وعن إِبراهيم وشُرَيْح مثله.

(إِلاَّ مَنْ حُدّ في كُفْرِهِ فَأَسْلَم) فإِنّ شهادتَه تُقبل بعد الإسلام. (و) لا من


(١) في المخطوط: "متخيرة" بدل "متغيرة".
(٢) سورة النور، الآية: (٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>