للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفعلُ الرَّدِيء، ونَائِحَةٍ، ومُغَنِّيَةٍ ومُدْمِن الشُّربِ على اللَّهْو، ومَنْ يَلعَبُ بالطيور، أَو الطُّنْبُور، أَو يُغَني للناس، أَو يَرْتَكِبُ ما يُحَدُّ به،

===

(يفعل الرَّديء) وهو تمكين الرجال منه. وأَما مَنْ لم يفعل الرديء فتقبلُ شهادته. (و) لا من (نائحة، و) لا من (مغنِّية) لأَن رفعَ المرأَة صوتَها حرامٌ. وفي «الذخيرة»: ولم يرد بالنائحة التي تنوحُ في مصيبتها، بل التي تنوح في مصيبة غيرها، لأَنها لا تُؤمَن أَنْ ترتكبَ شهادةَ الزورِ لأجل المال، فكان حق الماتن أَنْ يقيدهما بأُجرة، (و) لا من (مُدمن الشُّرب) من الخمر والسَّكَر وغيرهما من المحرمات (على اللهو) وإِنما اشتُرط الإدمان وهو المداومة، ليكون ذلك ظاهراً منه، فإِن مَنْ شرب الخمر سراً ولا يَظْهَرُ ذلك منه، لا تسقط عدالته، وإِنْ كان شِرْبُها كبيرةً (١) .

وإِنما تسقطُ عدالته إِذا كان يَظهرُ ذلك منه، أَوْ يخرج وهو سَكران ويلعب به الصبيان، فإِنه لا يَحترز عن الكذب عادة، كذا في «الخانية» و «شرح الوافي». والصواب ما في «النهاية» عن «الذخيرة»: أَنْ المراد به الإدمان في النية، بأَن يشرب، ومن نيته أَنْ يشربَ بعد ذلك إِذا وجده.

والحاصل:

أَنّ المراد به مَنْ شربَ ولم يتبُ فإِنه فاسق. ومما يدل عليه قولهم: ولا تقبلُ شهادةُ من يجلس في مجالس الفجور والشرب، وإِن لم يشرب، لأَنه يتشبه بهم، ولم يحترز من أَنْ يَظْهَرَ عليه ما يظهرُ عليهم، فلا يحترز عن شهادة الزور. ثم قيدّ باللَّهو احترازاً عمن شرب لِغَصِّ لقمةٍ في حلقه.

(و) لا (مَنْ يَلْعبُ بالطُّيور) لما في «سنن أَبي داود» عن أَبي هريرة: أَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأَى رجلاً يتبعُ حَمَامة فقال: «شيطانٌ يتبعُ شيطانه»، (أَوْ الطُّنْبُور) لأَنه من اللهو المحظور. وفي قوله: «يَلْعبُ» إِيماءٌ إِلى أَنه لو أَخذ طيوراً في بيته للاستئناس لا يكون مسقطاً للشهادة، لأَن اتخاذَ الحمامِ في البيوتِ للاستئناس مباح.

(أَوْ) مَنْ (يُغْنِّي للناس) لأَنه يجمعُ الناسَ على اللهو واللعب، فلا يمتنع عادةً من إِتيان المحارم والكذب. أَما لو كان لإزالة الوحشةِ عن نفسِهِ من غير أَنْ يُسْمِع غيرَه فلا بأْس على الصحيح. ثم إِنشادُ الشِّعر إِنْ كان فيه وعظٌ وحكمة، فجائز بالاتفاق، وإِن كان فيه ذكر امرأَة غير معينةٍ أَوْ معينة وهي ميتة فلا بأَس به. وفي المعينةِ الحية يُكْرَه.

(أَوْ) مَنْ (يَرْتكبُ ما يُحدّ به) لأَنه فاسق لا يُؤمَن من الكذب والزور، وقد قال


= القنوع السؤال، ويقال: إِن القانع المنقطع إِلى القوم لخدمتهم، ويكون في حوائجهم كالأجير والوكيل ونحوه. الخطابي على هامش سنن أَبي داود.
(١) في المطبوع: شَرِبَها كثيرًا. وما أثبتناه الصواب. انظر "العناية" بهامش "فتح القدير" ٦/ ٤٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>