للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتُقْبَلُ على إِقرار المُدَّعِي بفسقِهم، وعلى أَنهم عبيدٌ، أَو أَنّهم شَارِبو خَمْرٍ، أَو قَذَفَةٌ، أَو أَنهم شرَكاءُ المُدَّعِي، أَو أَعطاهم الأجرةَ لها من مالي، أَو دَفَعْتُ إِليهم كذا لِئَلَّا يشَهدوا عليَّ.

وشُرِطَ موافقةُ الشهادة للدَّعوى، كاتفاق الشَّاهِدَينِ لَفْظًا ومعنىً عند أَبي حنيفة. فَتُرَدُّ في أَلفٍ وأَلفين،

===

تَشِيْعَ الفَاحِشَةُ في الذِيْنَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ} (١) ، فإِن قيل: فيها ضرورة، وهي منع الظالم عن الظلم. أُجيب بأَنه لا ضرورة فيها لإِمكان إِخباره القاضي سراً حتى يَرُدَّ شهادَتَهما.

(وتُقْبَلُ) الشهادةُ (على إِقرار المدعي بفسقِهم) لأَنهم ما أَظهروا الفاحشة، بل شَهِدُوا على إِظهار غيرهم، فلا يوجب ذلك فسقَهم، (و) تُقبل (على أَنهم عبيد) لأَن فيها إِثبات حقّ الرِّق، (أَوْ) على (أَنّهم شاربو خمر) ولم يتقادم، لإِثباتهم الحد. قيدنا بعدم التقادُمِ، لأَنه لو تقادَم لا تُقبل لعدم الحد، (أَوْ) على أَنهم (قَذَفةٌ) بفتح المعجمة جمع قَاذف. وهذا إِذا كان المقذوفُ يدّعي القذف لتعلَّق الحد بهم، (أَوْ) على (أَنهم شركاء المدَّعي) لإثباتهم حق الشركة، (أَوْ) على أَنه (أَعطاهم الأُجرة لها) أي للشهادة (من مالي) الذي كان في يده وطلب استرداده، لأَنه خصمٌ في ذلك، (أَوْ) على أَني (دَفَعْتُ إِليهم كذا) من المال (لئلا يشَهدوا عليَّ) وقد شهدوا، وطالبهم بردِّ ذلك المال، لأَنهم أَخصام في ذلك.

(وشُرِطَ) في قَبُوْل الشهادة (موافقةُ الشهادة للدّعوى) وهذا في حقوق العباد، لأَن الشهادة في حقوق الله تعالى واجبةٌ على كل أَحد، فكان كل واحد فيها خصماً في إِثباتها. وحقوقُ العبد تتوقف على مطالبَتِهِ أَوْ مطالبةِ من يقوم مَقَامَهُ. فلو ادعى داراً إِرثاً أَوْ شراءً، فشهدا بملكٍ مطلق لا تُقْبل، لأنهما شهِدا بأَكَثر مما ادّعى، لأنه ادّعى ملكاً حادثاً، وشهدا بملكٍ قديم، لأَن المِلْكَ المطلقَ يثبُتُ من الأَصل حتى يَستحِقّ المدعي به الزوائد. ولو ادعى ملكاً مطلقاً وشهدا بملك بسبب معين تُقبل، لأَنهم شهدوا بأَقلَ مما ادعاه، فلم يخالف شهادتهما الدعوى، بخلاف الأول.

(كاتفاق الشاهدين) أَي كما شُرِط اتفاقُهما (لَفْظَاً ومعنىً عند أَبي حنيفة) واكتفيا بالمعنى كمالك والشافعي، (فتردُّ في أَلف وأَلفين) أَي شهادة أَحد الشاهدين بأَلف والآخر بأَلفين. وتقبل عند أَبي يوسف ومحمد على الأقل إِذا كان المُدّعي يَدّعي الأكثر. وبه قال الشافعي في وجه، وأَحمد في روايةٍ لأَنهما اتفقا على الألف


(١) سورة النور، الآية: (١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>