ولا يَصح أَنْ يَخُصَّ غَريمًا بقضاء دَينهِ، ولا إِقرَارة لِوَارثه إِلا أَنْ يصَدِّقَهُ البقيَّة، فَيَبطُلُ إِن ادَّعى بُنوَّتَه بَعْدَه،
===
وهو الذِّمةُ القابلةُ للحقوق.
ولنا: أَنْ الإقرار لا يُعتبرُ إِذا كان فيه تُهمة إِبطال حق الغير، وفي إِقرار المريض بما ليس من التبرعات كالبيع، والنكاح، والإتلاف تُهْمَة إِبطال تعلق دَيْن الصِّحة بماله، بخلاف المعروف السبب بمُعاينة الشهود، فإِنه لا تُهْمَة فيه.
(ولا يَصح) للمريض (أَنْ يَخُصَّ غَرِيْمَاً) من غُرماء الصحة أَوْ المَرَضِ (بقضاء دينه) لأن ذلك فيه إِبطالُ حقّ الباقين، إِلا أَنْ يكون ذلك الدينُ ثمناً بشيءٍ اشتراه بمثل قيمتِهِ، أَوْ يكون قرضاً لزمه في مرضه بالبَيِّنة، لأن هذا ليس بإِيثار ولا إِبطال للحق، لأنه حَصَّلَ مثل ما نَقَد، وحقُّ الغُرماء متعلقٌ بمعنى التركة لا بالصورة، فإِذا حصل له مثلُه معنىً لم يعد ذلك تفويتاً. وعند مالك والشافعي يختص مطلقاً، والله تعالى أَعلم.
(ولا) يصح (إِقرَارهُ لِوَارِثِه) وبه قال أَحمد والشافعي في قول، ويصح في الأصح من مذهبه، لأنه إِظهارُ حقٍ ثابت، لترجُّحِ جانب الصدق فيه، فصار كالإقرار لأجنبي وبوارثٍ آخر وبوديعةٍ مُستهلكةٍ للوارث. وقال مالك: يصح إِذا لم يُتهم، ويَبْطُلُ إِذا اتُّهم، كمن له بنت وابن عم، فأَقر لبنته. ولنا: ما أَخرجه الدارقطني في «سننه» عن جعفر بن محمد، عن أَبيه، عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا وصيةَ لوارث، ولا إِقرار له بدينٍ»، وما رُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام حجة الوداع:«إِنْ الله أَعطى كُلَّ ذِي حق حقه، فلا وصية لوارث ولا إِقرار بالدين»(١) .
لكن قال شمس الأئمة في «المبسوط»: إِنْ هذه الزيادة شاذةٌ غيرُ مشهورة، وإِنما المشهور قول ابن عمر: إِذا أَقر الرجلُ بدين في مرضه لرجل غير وارث فإِنه جائزٌ، وإِن أَحاط ذلك بماله، وإِن أَقر لوارث فهو باطل، إِلا أَنْ يُصدِّقه الورثة. وبه أَخذ علماؤنا، فإِن قول الواحد من فقهاء الصحابة عندنا مقدمٌ على القياس، ولأن في إِقرارِهِ إِيثارَ بعضِ الورثة بماله بعدما تعلق حقُّ جميعهم به، فلا يجوز لما فيه من إِبطال حق البقية، كالوصية. قيد بالوارث لأن إِقراراه للأجنبي يصح وإِن شَمِلَ المال.
(إِلا أَنْ يُصدِّقه البقيةُ) أَي بقية الورثة، لأن عدم الصحة كان لحقِّهم، فإِذا صَدَّقُوه فقد أَقروا بتقدُّمِهِ عليهم (فَيَبْطُل) الإقرار (إِنْ ادَّعى بُنوَّتَه) أَي بنوة الأجنبي (بَعْدَه) أَي بعد الإقرار له ويثبت النسب. وبه قال أَحمد والشافعي في قول.
(١) أخرجه الترمذي في السنن ٤/ ٣٧٦، ٣٧٧، كتاب الوصايا (٢٨)، باب ما جاء لا وصية لوارث (٥)، رقم (٢١٢٠).