للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويُغلِّظُ بصِفَاتِهِ تَعَالى، لا بالزَّمَانِ والمَكانِ.

وحُلِّف اليَهُودِيُّ بالله الذِي أَنْزَلَ التْوَرَاةَ على مُوسَى، والنَّصْرانيُّ بالله الذِي أَنْزَلَ الإنْجِيلَ على عِيسَى، والمَجُوسِيُّ بالله الذِي خَلَقَ النَّارَ، والوَثَنِيّ بالله، ولا يُحلّفُ في معابِدِهم.

===

(ويُغلِّظُ) اليمينَ (بصِفَاتِهِ تَعَالى) مثل: والله الذي لا إِله إِلا هو، عالمُ الغيبِ والشهادَةِ، هو الرحمن الرحيم، الذي يعلمُ من السِّرِّ ما يَعْلم من العلانية ما لفلانٍ هذا عليك ولا قِبَلَك هذا المال الذي ادّعاه، وهو كذا وكذا، ولا شيء منه؟ ويزيد على هذا التغليظ إِنْ شاء وله أَنْ ينقص منه. ويحترزُ عن عطف بعض الأسماء على بعض، لئلا يتكرر عليه اليمين. ولو غَلَّظَ عليه فَنَكَلَ عن التغليظ وحلف من غير تغليظ، لا يُقضى عليه بهذا النكول، لأن المقصودَ الحلفُ بالله تعالى، وقد حصل.

(لا بالزَّمَان) أَي لا يغلِّظُ اليمينَ بالزمان، كبعد العصر يوم الجمعة (والمكان) كمِنْبر النبي صلى الله عليه وسلم والحَجَر الأسود. وبه قال أَحمد والشافعي في قولٍ. وقيل: يُستحب التغليظُ بالزمان وبالمكان، وبه قال مالك فيما ليس بمال ولا القصد منه المال، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَحْلِفُ أَحدٌ عند مِنْبري هذا على يمينٍ آثمةٍ، ولو على سواك أَخضرٍ، إِلاّ تبوَّأَ مقعده من النار، أَوْ وجبت له النار». رواه مالك وأَبو داود. ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «اليمين على من أَنكر» (١) . فالتخصيصُ بالمكان والزمانِ لُزوماً زيادة عليه.

(وحُلِّف اليهوديّ بالله الذي أَنزل التوراة على موسى، والنَّصراني بالله الذي أَنزل الإنجيل على عيسى) لما روى أَبو داود عن أَبي هريرة أَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود: «أَنشدكم بالله الذي أَنْزَلَ التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على مَنْ زَنَى؟»، ولأن اليهود يعتقدون نبوةَ موسى، والنَّصارى نبوةَ عيسى، فيُغلِّظُ على كل واحد منهما بذكر المُنْزَل على نبيِّه. (و) حُلِّف (المجوسيّ بالله الذي خَلَقَ النارَ) لأنه يعظمُهَا فيخاف بِذِكْرها. ذكره محمد في «الأصل» كما في «الهداية». وذكر الخَصَّاف أَنه لا يُحَلَّف المجُوسي إِلا بالله وهو اختيار بعض المشايخ، لأن في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيماً لشأنها، وما ينبغي أَنْ تُعظَّم، بخلاف الكتابين، فإِنَّ كُتُبَ اللهاِ مُعَظَمة.

(و) حُلِّف (الوَثَنِيّ بالله) لأن الكَفَرَة بأَسرهم يُقِرُّون بالله تعالى، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّموات والأرْضَ لَيَقُوْلُنَّ اللَّهُ} (٢) .

(ولا يُحلّف) أَحدٌ منهم (في معابِدِهم) لأن فيه تعظيمها، ولأن القاضي لا يَحْضُرها، لأنه ممنوعٌ من دُخولها.


(١) سبق تخريجه ص ١٦٥، التعليقة رقم: (١).
(٢) سورة لقمان، الآية: (٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>