وما استُحِقّ من المُدَّعَى، فكما مَرَّ، وما استُحِقّ من العِوَضِ رَجَعَ إِلى الدَّعْوَى.
ولو صَالَحَ على بَعْضِ دَارٍ يَدَّعِيها لم يَصِحَّ. وحيِلَتُهُ أَن يَزِيدَ في البَدَلِ شيئًا، أَو يُبرِئَ عن دعوى الباقي.
وصَحّ الصُّلْحُ عن دَعْوى المالِ، والمَنْفَعِةِ،
===
هذه الدار من فلانٍ وفلانٌ يُنكر، حيث يأخذُها الشفيعُ بالشفعةِ (وما استُحِقّ)(١) في الصلح مع سكوت وفي الصلح مع إِنكار (من المُدَّعَى) وهو بفتح العين، و «مِنْ» بيانٌ لما (فكما مر) في الصلح مع إِقرار، من أَنْ المُدَّعي يردُ حِصَته من العِوضِ، لأن المُدَّعى عليه لم يدفع العِوضَ إِلا لدفعِ الخصومةِ عن نفسه، فإِذا ظَهَرَ الاستحقاق في الجميع، تبين أَنْ لا خصومة للمُدَّعي، فبقي العوِضُ في يده غير مشتمل على غرضه، فيسترده، وإِذا ظهر في بعضه تبين أَنْ لا خصومة له في ذلك البعض، فخلى العِوَض فيه عن الغرضِ الذي هو العوض.
(وما استُحِقّ من العِوَضِ رَجَعَ) المُدَّعي (إِلى الدعوى) في الكل إِنْ استحق الكل، وفي قَدْر المستحق إِنْ استُحق البعض، لأن المُدَّعي ما ترك الدَّعوى إِلا ليُسَلَّم له البدل، فإِذا لم يُسلَّمِ له رجع بالمُبْدَلِ وهو الدعوى. (ولو صَالَحَ على بعض دار يدعيها) بأَن صالحه على بيت معلوم منها (لم يصِحَّ) الصلح، وهو على دعواه في الباقي، لأن بعض الشيءِ لا يصلح عِوضاً عن كله. وبه قال مالك وأَحمد، وهو وجه في مذهب الشافعي.
(وحيلتُهُ) أَي حيلة جوازِ هذا الصُّلح (أَنْ يزيد) المُدَّعى عليه (في البدلِ شيئاً) ثوباً أَوْ درهماً، حتى يكون ذلك الشيءُ عوضاً عن الباقي في يده (أَوْ يُبراءَ) من الإبراء، بصيغة المفعول أي يُبرأ المدَّعى عليه، أو بصيغة الفاعل أي يبراء المُدَّعي المُدَّعى عليه (عن دعوى الباقي) بأَن يقول له المُدَّعي: أَبرأَتُك أَوْ برئتُ من دعوى هذه الدار، لأن الإبراء عن دعوى العين جائز.
(وصَحّ الصُلح عن دَعَوى المالِ) بمال وبمنفعة أَما بمنفعةٍ فلأنه في معنى الإجارة، وأَما بمال فلأنه بمعنى البيع في حقهما إِنْ وقع مع إِقرار، وفي حق المُدَّعي إِنْ وقع مع سكوت أَوْ إِنكار، وافتداء اليمين في حق الآخر.
(و) صح الصلح عن دعوى (المنفعةِ) بمال وبمنفعة، كإِن ادّعى في دار سكنى
(١) الاسْتِحقاق: ظهور كون الشيء حقًّا أَداؤه للغير. معجم لغة الفقهاء ص ٥٩.