للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ إِلا الإزْارَ. ويُفَرَّقُ عَلَى بَدَنهِ إِلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وفَرْجَهُ،

===

هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإِنه من يُبْدِ لنا صَفْحَته نُقِمْ عليه كتاب الله».

(وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ) لأن المقصود إِيصال الألم إِليه، وهو بنزع الثياب أَتمّ، وبه قال مالك. ويؤيّده أَنه عبرّ عن الضربة بالجَلْدة للإيماء إِلى إِيصالها بالجِلْدَة، نظراً إِلى أَصل المادة. وقال الشّافعيّ وأَحمد: يُتْرَك عليه قميصٌ أَوْ قميصان، لأن الأمر بالجلد لا يقتضي التجريد (إِلاّ الإزَارَ) فإِنه لا يُنْزَع، لأن في نزعه كشف عورته. وقول صاحب «الهداية»: لأن علياً كان يأمر بالتجريد في الحدود غريبٌ، بل في «مصنف عبد الرَّزَّاق» عن عليّ أَنه أُتي برجلٍ في حدَ فضربه وعليه كساءٌ قَسْطلاني قاعداً. وفيه أَيضاً عن الشعبيّ قال: سأَلت المُغِيرة بن شُعْبَة عن المحدود أَتُنْزَعُ ثيابه عنه؟ قال: لا، إِلاّ أَنْ يكون فَرْواً أَوْ حشواً. وفيه أَيضاً عن ابن مسعود قال: لا يَحِلُّ في هذه الأُمَّة تجريدٌ ولا مَدٌّ (١) ولا غُلٌّ (٢) .

(ويُفَرَّقُ) الجلد (عَلَى بَدَنِهِ) لأن جمعه في عضوٍ واحدة قد يُفْضِي إِلى التَلَف، والجَلْد زاجرٌ لا متلِفٌ (إِلاّ رَأْسَهُ) لئلا يؤدي إِلى زوال سمعه أَوْ بصره أَوْ شمّه (وَ) إِلا (وَجْهَهُ وفَرْجَهُ) ومقَاتِله لئلا يؤدي إِلى هلاكه، لما روى ابن أَبي شَيْبَة وعبد الرَّزَّاق في «مصنفيهما» عن عليّ أَنه أُتِي برجلٍ سكرانٍ أَوْ في حدَ فقال للجلاّد: اضرب وأَعطِ كلّ عضوٍ حقّه، واتقِ الوجه والمذاكير. ولعموم ما رواه الشيخان عن أَبي هُرَيْرَة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذا ضرب أَحدكم فليتقِ الوجه». وقال أَبو يوسف آخِراً: يضرب الرأْس سوطاً، لِمَا روى ابن أَبي شَيْبَة في «مصنفه» عن وَكِيْعٍ، عن المَسْعُودي، عن القاسم: أَنْ أَبا بكرٍ أُتِي برجلٍ انتفى من أَبيه، فقال أَبو بكر للجلاّد: اضرب الرأْس، فإِن الشيطان في الرأس.

وأُجيب بأَنّ المسعودي ضعيفٌ، ولكن يقوِّيه ما في «مسند الدَّارميّ» عن سليمان بن يَسَار: أَنْ رجلاً يُقُال له صَبِيغ قَدِمَ المدينة فجعل يسأَل عن متشابه القرآن، فأَرسل إِليه عمر، وقد أَعَدَّ له عراجين (٣) النخل، فأُتِيَ به فقال له: من أَنت؟ قال: أَنا


(١) المدُّ: سيأتي شرحها قريبًا في الصفحة التالية.
(٢) الغُلُّ: طَوْق من حديد أو جلد يُجعل في عنق الأَسير أَو المجرم أو في أَيديهما. المعجم الوسيط ص ٦٦٠، مادة (غلّ).
(٣) العُرْجون: ما يحمل التمر، وهو من النخل كالعنقود من العنب. المعجم الوسيط ص ٥٩٢، مادة (عرج).

<<  <  ج: ص:  >  >>