للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا جَمْعَ بين جَلْدٍ ورَجْمٍ،

===

بعد اعتراف ماعز أُمر فَحُفِر له حفرة فُجِعل فيها إِلى صدره، ثم أمر الناس فرجموه. فإِذا تعارض الحديثان، (وهما صحيحان) (١) ، دلّ على جواز كلَ من الحفر وعدمه له.

(ولا جَمْع) يعني في المُحصَن (بين جَلْد ورجم) وهو قول مالك والشافعي وأحمد في رواية، وقال وفي روايةٍ أَخرى: يجمع، وهو قول داود ومختار ابن المُنْذر من الشافعية، لَمَا روى مسلم من حديث عُبَادة بن الصَّامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني، قد جعل الله لهنّ سبيلاً: البِكْرُ بالبِكْرِ جلد مئةٍ ونفي سنةٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ جلد مئةٍ والرجم». وتقدّم ما روى البيهقي في «سننه» عن عليّ أَنه جمع بين الجلد والرجم.

ولنا ما تقدّم من حديث ماعز والغامدية أَنْ النبي صلى الله عليه وسلم رجمهما ولم يجلدهما، (وحديث أُنَيْس أَنْ النبي صلى الله عليه وسلم أَمره برجم المرأَة ولم يأْمره بجلدها) (٢) . ولو كان الجمع حدًّا لما تركه، ولأنه لا فائدة في الجلد مع الرَّجْم، لأن الحدّ شُرِعَ زاجراً، وزجره بالجلد لا يتأَتّى مع رجمه، وزجر غيره يحصل برجمه، إِذْ هو أَبلغ العقوبات الواردة. ففي الزائدة لا يتفرّع الفائدة، ولذا لو تكرّر من شخصٍ ما يوجب الحد يُكْتَفَى بحدٍ واحدٍ لعدم الفائدة في الباقي، لأن المقصود ـ وهو الزجر ـ يَحْصُل بالأوّل.

وأَجيب عن حديث عُبَادة بجوابين:

أَحدهما:

أَنه منسوخٌ، قال الحازمي في كتابه: روى حديث ماعز جماعةٌ كَسَهْل ابن سعد، وابن عباس ونَفَرٍ تأَخّر إِسلامهم. وحديث عُبَادة كان في أَوّل الأمر، وبين الزمانين مدة. وقال المُنْذِري في «مختصره»: ذهب إِلى الجمع بين الجلد والرجم عليٌّ (وأُبِيّ) (٣) وابن مسعود والحسن. وقال أَبو بكر وعمر والزُّهْرِيّ والنَخَعيّ وأَبو حنيفة، ومالك، والشافعيّ، والأوْزَاعِيّ، وسفيان: أَنَّ الثَّيِّب عليه الرجم دون الجلد. ورأَوا حديث عُبَادة منسوخاً، وتمسَّكوا بأَحاديث تدلَّ على النسخ منها حديث العَسِيف أَخرجه الشيخان عن أَبي هريرة وفيه: «فإِن اعترفت فارجمها»، (فاعترفت فرجمها) (٤) . وهذا الحديث آخِرُ الأمرين، لأن رواية أَبي هُرَيْرَة وهو متأَخّر الإسلام، ولم يتعرّض للجلد فيه.


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>