للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلا جَلْدٍ وَنَفْي إِلَّا سِيَاسَةً.

===

وثانيهما:

أَنْ معناه الثيب بالثيب جلد مئةٍ إِنْ كانا غير مُحْصَنين، والرجم إِنْ كانا مُحْصَنين. والواو فيها نظيرتها في قوله تعالى: {أُوْلي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (١)

وما رَوَوه من أَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم جمع بين الجلد والرجم في رجلٍ، محمولٌ على أَنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم بإِحصانه، فَجَلَدَه ثم علم بإِحصانه فرجمه. يدلَّ على ذلك ما أَخرجه أَبو داود والنَّسائي عن ابن وَهْب قال: سمعت ابن جُرَيْج يُحَدِّثُ عن أَبي الزُّبير، عن جابر: أَنْ رجلاً زنى فأَمر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ، ثم أُخْبِرَ أَنه قد كان أُحْصِنَ، فأَمر به فرُجِمَ.

(وَلَا جَلْدٍ) أَي ولا جمع في غير المحصن بين جلد (وَنَفْي إِلاَّ سِيَاسَةً) وتعزيزاً لا حدّاً. وقال الشافعيّ وأَحمد والثوريّ والأوْزَاعِيّ: يجمع بينهما حدّاً. وقال مالك: يجمع بينهما في الرجل دون المرأَة، وفي الحر دون العبد. ومن نُفِيَ حُبِسَ في الموضع الذي يُنْفَى إِليه. وقال الشافعيّ وأَحمد: يُنْفَى العبد نِصْفَ السَّنة. لهم ما روى البخاري من حديث زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه أَمر في مَنْ زَنَا ولم يُحْصَن بجلد مئةٍ وتغريب عامٍ. قال ابن شِهاب: وأَخبرني عُرْوَة بن الزُّبَيْر: أَنْ عمر بن الخطَّاب غرَّب ثم لم يزل تلك السنة. وروى أَيضاً من حديث أَبي هريرة أَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام، وبإِقامة الحد عليه.

وما روى الترمذي من حديث نافع، عن ابن عمر: أَنْ النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرّب وأَن أَبا بكر ضرب وغرّب، وأَن عمر ضرب وغرّب. ولنا قوله تعالى: {الزَّانِية والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مئةَ جَلْدَةٍ} (٢) من غير تعرّض للتغريب، فلا يكون من موجَب الزنا. وإِنّ في التغريب تعريضَ المرأَة للزنا، لأنها كلمّا تباعدت عن الأقارب قلّ حياؤها من الأجانب، فرُبَّما اتخذت الزنا من المكاسب، ولأن سفر المرأَة بغير مَحْرَمٍ حرامٌ، ولا ذنب للمَحْرَم حتى يُنْفَى معها.

ولا يُقَاس على المهاجرة من دار الحرب، لأنها لا تقصد سفراً وإِنما تطلب الخلاصَ حذراً، حتى لو وصلت إِلى جيشٍ من المسلمين لهم مَنَعة لا يجوز لها أَنْ تخرج من عندهم وتسافر. وكذا في العبد والأَمة حقّ المولى في الخدمة، وهو مقدّم على حقِّ الشرع فلا يفصل بينهما وبين مولاهما.

وما رَوَوه كان بطريق السياسة دون الحدّ، لِمَا روى عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن مَعْمَر، عن الزُّهْرِيّ، عن ابن المُسَيَّب قال: غرَّب عمرُ ربيعةَ بن أُمية بن خلف في


(١) سورة فاطر، الآية: (١).
(٢) سورة النور، الآية: (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>