للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلا يُحَدُّ الخَلِيفَةُ، ويُقْتَصُّ وَيُؤْخَذُ بِالْمَالِ.

===

موضع الاشتباه وهو الإخبار، إِذْ المرء لا يميّز بين زوجته وغيرها في أَول وهلة. وعليه مهرها وعليها العدة، ويثبت نسب ولدها منه.

وقد سُئِلَ أَبو حنيفة عن أَخوين تزوجا أَختين فَزُفَّتْ كل واحدة إِلى زوج أَختها فقال: ليطلق كلُّ واحدٍ زوجته، ثم يتزوّج مَنْ وطِئها. وقال سفيان الثَّوري: على كل واحدٍ منهما المهر، وعلى كل واحدة العدة، فإِذا مضت عدتها دخل بها زوجها. فقال أَبو حنيفة: ما قلتُ أَحسن. أَرأَيت لو صبر كلّ واحدٍ منهما حتّى مضت العدة، أَما كان يبقى في قلب كل منهما شيء لدخول أَخيه بامرأَته؟ فإِذا طلّق كلٌّ زوجته قبل الدُّخول والخلوة، لا تجب العدة، فإِذا طلّق بعد ذلك فعدتها ممّن دخل بها، لا تمنعه من نكاحها، ولم يبق في قلب كلّ منهما شيء.

(وَلا يُحَدُّ الخَلِيْفَةُ) وهو الإمام الذي ليس فوقه إِمام لا في زنا، ولا في شرب خمرٍ، ولا في قذفٍ، لأن الحدود حقّ الله تعالى، وهو نائبه والمقيمُ لها، فلا يمكنه أَنْ يقيمها على نفسه، لأنها لا تقع مؤلمة، فلا تكون زاجرة، والمقصود من الحدود الزجر. وكذا لو أَمر غيره بإِقامتها عليه لا تقع مؤلمة، لأنه يهابه. والظاهر أَنه يُرْجَم، والله أَعلم. (ويُقْتَصُّ) منه (وَيُؤْخَذُ بِالْمَالِ) لأن القِصَاص والأموال من حقوق العباد فيستوفيهما صاحبهما بنفسه أَوْ بالاستعانة بالمسلمين، ولا يُشْتَرَط فيهما القضاء بخلاف حدّ القذف، فإِن المغلَّب فيه حقّ الشرع عندنا، وحقّ العبد عند الشافعيّ، فحكمه حكم ما هو حقّ الشرع خالصاً.

ثم اعلم أَنه لا يحدّ بزنا في دار الحرب أَوْ البغي عندنا، وحكم مالك والشافعي بحدّه لإطلاق الآيات الواردة في حدّ الزاني وقطع السارق وجلد القاذف، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «أَقيموا حدود الله في السفر والحضر، على القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لائمٍ». رواه أَبو داود في «المراسيل». وقال: رويناه بإِسنادٍ موصولٍ في «السنن».

ولنا ما روى محمد في كتاب «السير الكبير» عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: «من زنا أَوْ سرق في دار الحرب وأَصاب بها حدّاً ثم هرب فخرج إِلينا، فإِنه لا يُقَام عليه الحدّ». وما روى البيهقي عن الشافعيّ قال: قال أَبو يوسف رحمه الله: حدثنا بعض أَشياخنا عن مكحول، عن زيد بن ثابت قال: لا تُقامُ الحدودُ في دار الحرب مخافةَ أَنْ يلحق أَهلها بالعدو.

قال: وحدَّثنا بعض أَصحابنا عن ثور بن يزيد، عن حكيم بن عُمَيْر أَنْ عمر بن الخطاب كتب إِلى عُمَيْر (١) بن سعد الأنصاري وإِلى عمّاله: أَنْ لا تقيموا الحدود


(١) حُرِّفت في المخطوط إِلى: عمر، والمثبت من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>