للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلا الدَّجاجَ فإنه غَلِيظٌ كسائرِ ما خرَجَ من المَخرجَيْنِ

===

ولنا أنَّ عبدَ الله بن مسعود خَرِئتْ عليه حمامةٌ فمسَحَهُ بإصبعه (١) . وابنُ عُمَر زَرَقَ عليه طائر فمسَحَهُ بحَصَاةٍ وصلَّى ولم يَغسله. ولأنَّ إجماعَ الناس على تركِ الحَمَامات في المساجد مع القدرةِ على إخراجها إجماعٌ منهم على طهارته، ولأنها تَزْرُقُ من الهواء، والحرَجُ لاحقٌ بسبب التوقي عن ذلك، فيَسقُطُ اعتبارُ نجاسته، بخلافِ الدجاجةِ والبطِّ لإِمكانِ التحامي عنه.

وفيه نظر، لاحتمالِ سقوطِ حكمِ القليلِ للضرورة، كما سقَطَ حكمُ قدْرِ الدرهم من المغلَّظة وما دون الرُّبع من المخفَّفةِ مع بقاءِ وصفِ النجاسة، ولا ضرورةَ إلى حكم الطهارة.

(إلا الدَّجاج) بفتح أوله ويُثَلَّث. وكذا البَطُّ الأهلي والأوَزُّ (فإنَّه غليظ) لأنَّ التوقِّي عنه لا حرَجَ فيه (كسائِر) أي كباقي (ما خرَجَ من المَخرجَيْن) وهو خُرء الفَرَس، وخُرءُ ما يؤكل لحمُه، وبولُ ما لا يؤكلُ لحمه، وخُرءُه، وبولُ الآدمي، وخُرءُه، ونَجْوُ الكلب، ورَجيعُ السباع، ولُعابُها لتولُّدِه من لحمها، وما يَنقُضُ الطهارةَ بخروجه من بَدَنِ الإِنسان، فهذه الأشياء نجاسَتُها غليظة اتفاقاً.

أمَّا عند أبي حنيفة فلورُودِ النَّصِّ في نجاستها من غير مُعارِض، وهو قولُه تعالى: {ويُحرَّمُ عليهم الخبائثَ} (٢) . والطباعُ السليمةُ تَستخبثُ هذه الأشياء. والتحريمُ لا لاحترامِها آيةُ نجاستِها. وأمَّا عندهما فلعدمِ مساغِ الاجتهاد في طهارتها.

وأمَّا خُرء الفأر وبولُه فمعفوٌّ عنه في الطعامِ والثوبِ لعدمِ إمكان التحامي عنه، لأنَّ الفأرة غالباً تخرجُ في الليالي وتَدخُل المضايق، بخلاف الماءِ فإنَّ حفظه ممكن، كذا في «شرح تحفة الملوك» للعَيْني.

وقال الشافعي وأحمد: يَكفي في بولِ الطفل الذي لم يَطْعَم ولم يَشرب إلا اللبنَ الرَّشُّ بالماء، ويَتعيَّنُ في بولِ الصَّبِيَّةِ الغَسلُ لورود النَّضْحِ في بولِ الصبيِّ دون الصَبيَّة.

وأجاب الطحاوي بأنَّ النَّضح الوارد في بول الصبيَّ المراد به الصبُّ، لما روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أُتي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصبيّ فبال عليه، فقال: «صُبُّوا عليه الماءَ صبّاً». قال: فعُلِمَ منه أنَّ حُكَم بولِ الغلام الغَسلُ، إلا أنَّه


(١) مر تخريجه ص ٩٨.
(٢) سورة الأعراف، آية: (١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>