للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْصُوْمٌ، قَطَعَ الطَّرِيْقَ عَلَى مَعْصُومٍ، فَأُخِذَ قَبْلَ أَخْذِ مَالٍ وَقَتْلٍ، حُبِسَ حَتَّى يَتُوْبَ،

===

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَغْرَم صاحب سرقة إِذا أُقِيْمَ عليه الحدّ».

قال النَّسائي: هذا مرسل وليس بثابتٍ. وأَخرجه الدَّارَقُطْنِيّ في «سننه» بلفظ: «لا غُرْم على السارق بعد قطع يمينه». قال: والمِسْوَر لم يُدْرِك عبد الرحمن بن عَوْف، فإِن صحّ إِسناده فهو مرسلٌ، وقد تقدّم أَنْ الإرسال غير قادح عندنا بعد ثقة الرواي وأَمانته. وروى الحسن عن أَبي حنيفة وجوبَ الضمان في المُسْتَهْلَك.

(وَمَعْصُوْمٌ) أَي مسلمٌ أَوْ ذميٌّ، وهو مبتدأ صفته (قَطَعَ الطَّرِيْقَ) بصيغة الفاعل (عَلَى مَعْصُومٍ فَأُخِذَ) بصيغة المجهول عطف على قطع (قَبْلَ أَخْذِ مَالٍ وَقَتْلٍ حُبِسَ) أَي بعد التعزير، وهو خبر المبتدأ (حَتَّى يَتُوْبَ) أَي يَظهر فيه سِيماء الصالحين. وقال النَّخَعِي وقَتَادة وعطاء وأَحمد: يُشَرَّد (١) قاطع الطريق من الأمصار، وقال طائفةٌ من أَهل العلم، وهو مرويٌّ عن ابن عباس: يُنْفَى من بلده إِلى بلدٍ غيره. وقال مالك وابن سُرَيْج (٢) من أَصحاب الشافعيّ: يُحْبَس في البلد الذي يُنْفَى إِليه. ولنا أَنْ ظاهر الآية يدلّ على النفي من جميع الأرض، وهو لا يمكن، ونفيه عن بلده لا يحصل به المقصود، وهو كَفّ أَذاه عن الناس، ونفيه من (دار) (٣) الإسلام إِلى دار الحرب فيه تعريضه للرِّدَّة وصيرورته حرباً لنا، فقلنا المراد بنفيه من الأرض دفع شره بالحبس، إِذْ الحبس يعدّ خارجاً من الدنيا كما قال الشاعر:

*خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ** فَلَسْنَا مِنَ الأَحْيَاءِ فِيْهَا وَلَا المَوْتَى

ثم لقطع الطريق شرائط منها: أَنْ تكون لهم شوكةٌ ومَنَعَةٌ وقوةٌ، سواء كانت بالسلاح، أَوْ بالعصا الكبيرة، أَوْ بالحجر أَوْ بغيره، وإِن كان واحداً.

ومنها: أَنْ يكون ذلك منهم خارج المِصْر بعيداً عنه، حتّى إِنْ كان في المصر، أَوْ بقرب منه، أَوْ بين قريتين لا يكون قَطْعَاً للطريق، خلافاً لمالك والشافعيّ وتوقّف أَحمد. وعن أَبي يوسف: أَنهم إِنْ كانوا في المصر ليلاً، أَوْ فيما بينه وبين المصر أَقل من مسيرة سفر، يجري عليهم أَحكام القُطَّاع، وعليه الفتوى لمصلحة الناس.

ومنها: أَنْ يكون المأْخوذ قدر النصاب، وبه قال الشافعيّ وأَحمد. وقال مالك وأَبو ثور وابن المنذر: لا يشترط النِصَاب لعموم الآية.

ومنها: أَنْ يكون القُطَّاع كلّهم أَجانب من المال، ويكون كلّهم من أَهل وجوب


(١) في المخطوط: يسترد، والمثبت من المطبوع.
(٢) حرف في المطبوعة والمخطوطة إلى: "ابن شريج" والصواب المثبت، وهو أحمد بن عمر بن سُرَيج البغدادي، انظر ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى ٣/ ٢١.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>