للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فلو نَزَلَ أهلُ حصنٍ على حُكْمِ الله يجيز أبو يوسف القَتْلَ والاسترقاق، والتحرير ذمة لنا، وعيَّن محمد التحرير، لأن الإنزال على حكم الله لا يجوز عنده لما روينا، ففي قوله (١) : وإن أخطأ الإمامُ وأنزلهم على حكم الله، ينبغي له أن يَعْرِضَ عليهم الإسلام، فإن أجابوا لذلك فبها، وإن أبَوْا يَضرِبُ عليهم الجزيةَ وعلى أراضيهم الخَرَاج (٢) ، ولا يقتلُهم ولا يسترقُهم. ولأبي يوسف أنهم أهل حربٍ، وحكمُ اللَّهِ فيهم معلوم. وما رُوِيَ كان في ابتداء الإسلام، ولمَّا استقرّ الشرعُ على هذه الثلاثة عُلِمَ حُكمُ الله فيهم، وهو أحد هذه الثلاثة، ولكن للإمام خيارُ التَّعيين.

وروى أحمد في «مسنده» والحاكم في «مستدركه» عن سَلْمان أنه انتهى إلى حِصْنٍ أو مدينة فقال لأصحابه: دعوني أدْعُهم كما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُمْ، فقال لهم: إنّما كنتُ رجلاً منكم فهداني الله للإسلام، فإن أسلمتُم فلكم ما لنا، وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فأدوا الجِزْية وأنتم صاغرون، فإن أبيتم نَابَذْنَاكُمْ على سواء، إن اللَّهَ لا يحبّ الخائنين. فعلَ ذلك بهم ثلاثةَ أيام، فلما كان في اليوم الرابع أمر الناس فغزُوا إليها وفتحوها.

وروى الستّةُ قوله عليه الصلاة والسلام لمُعاذ حين بَعَثه إلى اليمن: «إنك تَقْدُم على قومٍ أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إله إلاّ الله، فإن أسلموا فبها، وإن لم يُسلموا فادعهم إلى الجزية» … الحديث.

ولا يجوز أن يُقاتِل من لم تبلغه الدعوة إلى الإسلام إلا بعد أن يَدْعُوهم، ولو قاتلهم قبل الدعوةِ أَثِمَ، ويُستحبُ أنْ يدعو به من بَلَغته الدعوة مبالغةً في الإنذار إلاّ إذا عَلِم أنّهم بالدعوة يَستعدون أو يحتالون بحيلة أو يَتَحَصَّنون، لأن الدعوةَ مستحبةٌ ودفعُ الضرر واجبٌ. وفي «المحيط»: بلوغُ الدعوة إمّا حقيقةً أو حكماً بأن استفاض شرقاً وغرباً، أنهم إلى ماذا يُدْعَوْن، وعلى ماذا يُقاتَلون، فأقيم ظهورُ الدعوة مُقامها في حق كل مشركٍ، لما روى الشيخان عن ابن عَوْف قال: كتبتُ إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتبَ إليَّ إنما كان ذلك في أول الإسلام، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المُصْطَلِق وهم غارّون ـ أي غافلون ـ وأنعامهم تُسقى على الماء،


(١) في المخطوط: وفي أَوله، والمثبت من المطبوع.
(٢) الخَرَاجُ: ما تأْخذه الدولة من الضرائب على الأرض المفتوحة عَنوةً، أَو الأرض التي صالح أَهلها عليها. معجم لغة الفقهاء ص ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>