للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَتْل عَاجِزٍ عَنِ القِتَالِ، إلّا مَلِكَةً، أَوْ ذا رَأْي

===

روى الشيخان في كتاب الحدود عن أنس أن نفراً من عُكْل ثمانية، وفي لفظ: أن ناساً من عُريْنة قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام واسْتَوخَمُوا (١) الأرض وسَقِمَت أبدانهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تخرجونَ مع راعينا في إبله فتُصيبُون من أبوالها وألبانها»، قالوا: بلى يا رسول الله، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فَصَحُّوا، ثم مالوا على الرُّعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام، واستاقوا ذَوْد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أي إبله ـ فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فبعث في أثرِهِم، فَأُتِيَ بهم، فقطع أيديَهم وأرجلَهم، وَسَمَل (٢) أعينَهم وتركهم في الحرَّة حتى ماتوا. وفي لفظ: أُلقُوا في الحرة يَسْتَسْقُون فلا يُسقون، ولم يَحْسِمْهُمْ حتى ماتوا. وفي لفظٍ: فَقَطَعَ أيديَهم وأرجلهم، ثم أمر بمسامير فأحميت ثم كحّلهم بها، وفي لفظٍ: وتركهم بالحَرَّة يعضدون الحجارة.

وهذا يدلّ على جواز المُثْلة. أجيب بأنه محمولٌ على النَّسخ، فإن في آخر الحديث قال قتادة: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يُحث على الصدقة ويَنْهَى عن المُثْلة، وفي لفظٍ لهما: قال قتادة: فحدثني محمد بن سِيرين أن ذلك كان قبل أن تُنَزّل الحدود. وفي لفظٍ للبيهقي: قال أنس: فما خطبَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا خُطبة إلا نهى فيها عن المُثْلة. وممن قال بنسخه الشافعي. وروى الوَاقِدِي في كتاب «المغازي» عن إسحاق عن صالح مولى التَّوْأَمة عن أبي هريرة قال: لما قطع النبي صلى الله عليه وسلم أيدي أصحاب اللِّقاح وأرجلَهم وسَمَل أعينَهم نزلت هذه الآية: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (٣) إلى آخر الآية فلم تُسْمَل بعد ذلك عين.

قال: وحدّثني أبو جعفر قال: ما بعثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بعثاً إلا نَهَاهُمْ عن المُثْلَة. أو محمولٌ على أنه فعل بهم ما فعلوا بالرِّعاء، وقد جاء مصرّحاً به عند مسلم عن أنس قال: إنما سَمَلَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعينَ أولئك لأنهم سَمَلُوا أعينَ الرِّعاء. وروى ابن سعد في خبرهم: أنهم قطعوا يد الرَّاعي ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات. وعلى هذا ما فُعِل بهم ليس بمُثْلة، فإنَّ المُثْلة ما كان ابتداءً من غير جزاءٍ.

(وَ) بلا (قَتْلِ عَاجِزٍ عَنِ القِتَالِ) كالصبيّ، والمجنون، والأعمى، والمرأة، والشيخ الذي لا يقدر على الصِّياح عند التقاء الصَّفين (إلاّ مَلِكَةً) أو مقاتلاً (أَوْ ذا رأي


(١) اسْتَوْخموا: أَي استثقلوها، ولم يوافق هواؤها أَبدانهم. النهاية ٥/ ١٦٤.
(٢) سمل العين: فَقَأهَا بمسمارٍ أَو حديدة مُحْماةٍ. المعجم الوسيط ص ٤٥٠، مادة (سمل).
(٣) سورة المائدة، الآية: (٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>