بعد تمامها قبل الأخذ. وقال الشافعي: لا تسقط بعد تمامها، وله فيما إذا أسلم أو مات في أثنائها قولان: أحدهما: أنه تؤخذ جزية ما مضى، والآخر تسقط، وهذا الخلاف يأتي فيمن عَمِيَ أو صار مُقْعَداً أو زَمِناً أو شيخاً كبيراً لا يستطيع العمل، أو فقيراً لا يقدر على شيءٍ وقد بقي عليه شيء من الجزية، فإنه يسقط عنه عندنا، وعند الشافعي لا تسقط، لأن الجزية وجبت عن العصمة الثابتة بعقد الذِّمة، أو عن سُكْنَى في دارنا، وقد وصل إليه المعوَّض، فلا يسقط عنه العِوَض بهذا العارض، كما لا تسقط به الأجرة.
ولنا: ما روى أبو داود في «الخَرَاج»، والترمذي في الزكاة من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ليس على المسلم جزية». قال أبو داود: وسُئِلَ سفيان الثوري عن هذا فقال: يعني إذا أسلم فلا جزية عليه. (وَتَتَدَاخَلُ) أي الجزية (بِالتَّكْرَار) يعني إذا اجتمع على الذميّ أكثر من حولٍ لا تؤخذ منه إلا عن حولٍ واحدٍ، وهذا عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: تأخذ عن الجميع، وهو قول الشافعيّ وأحمد.
(وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ) وهي معبد النصارى (وَ) لا (كَنِيسَةٌ) وهي معبد اليهود، ولا صومعة: وهي معبد الرُّهْبان، ولا بيت نار: وهو معبد المجوس (فِي دَارِنَا) أي في الأمصار. قيل: ولا في القرى، وهذا الخلاف في غير أرض العرب، وأمّا فيها فيمنعون من ذلك في الأمصار والقرى قولاً واحداً.
ويمنع المشركون أيضاً من السُّكْنَى فيها (وَلهمْ إعَادَةُ المُنْهَدِمِ) لأن الأبنية لا تبقى دائماً، ولجريان التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا بترك البِيَع والكنائس في أمصار المسلمين. ولمّا أقرهم الإمام فقد عُهد إليهم الإعادة بطريق الدلالة إلاّ أنهم لا يمكَّنون من نقلها ولا زيادة في محلّها، لأنه إحداثٌ في الحقيقة.
روى البيهقي في «سننه» عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خِصَاء في الإسلام، ولا بُنْيَان كنيسة». إلاّ أنه ضعّفه. وروى أبو عُبَيْد القاسم بن سلاَّم بسنده إلى توبة بن النمر الحضرمي قاضي مصر، عمّن أخبره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«لا خِصاء في الإسلام ولا كنيسة». وروى أيضاً بسندٍ فيه ابن لَهِيعة إلى عمر بن الخطّاب أنه قال: لا كنيسة في الإسلام، ولا خصاء. وروى مالك في «الموطّأ» عن ابن شِهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب». قال مالك عن ابن شِهاب