للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَحَّ ارْتِدَادُ صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَإسْلامُهُ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلا يُقْتَلُ إنْ أبَى.

===

دفعها القاضي إليه، وأمره أن يجبرها على الإسلام، وأرسل إليها القاضي كل يوم يهدِّدها ويضربها أسواطاً حتّى تموت أو تُسْلِم. والصحيح أن يدفعها إلى المَوْلى احتاج أو استغنى، طلب أو لم يطلب، لأن الحبس تصرّف فيها، وهو إلى المولى.

(وَصَحَّ ارْتِدَادُ صَبِيَ يَعْقِلُ وَإِسْلَامُهُ، وَيُجْبَرُ) الصبي المرتدّ (عَلَيْهِ) أي على الإسلام (وَلَا يُقْتَلُ إنْ أبَى) وإن بلغ كافراً، ولكن يُحْبَس، ذكره التُّمُرْتَاشِيّ، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد.

وقال مالك وأحمد: يُقْتَلُ إذا بلغ ولم يرجع، لأنه صار أهلاً للعقوبة. وقال أبو يوسف: ارتداده ليس بارتدادٍ، وإسلامه إسلامٌ، وهو قولٌ لأحمد وسُحْنُون المالكي لقوله صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ القلم عن ثلاث: عن الصبيّ حتى يحتلم» (١) . ومن كان مرفوع القلم لا يُبْنَى الحكم في الدنيا على قوله، أمّا الإسلام فيصحّ منه لأنّ الصبيّ أهلٌ للرسالة. قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً} (٢) فعلم ضرورةً أنه أهلٌ للإسلام، ولأنه سبب الفوز بالسعادة الأبدية، فيكون محض منفعة في الأمور الدنيوية والأخروية، بخلاف الارتداد، فإنه محض مضرّة.

وفي «المحيط»: روى ابن أبي مالك، عن أبي يوسف: أن أبا حنيفة رجع إلى قول أبي يوسف. وقال الشافعي وزفر: إسلامه ليس بإسلام، وارتداده ليس بارتدادٍ، وأمّا الإسلام فلأنه تبعٌ فيه لأبويه، فلا يجعل أصلاً، لأن التبعية دليل العجز، والأصالة دليل القدرة وبينهما تنافٍ. وأمّا الارتداد، فلأنه مضرّةٌ (محضةٌ) (٣) لأنه سببٌ لحرمان إرثه، وللفُرْقة بينه وبين امرأته المشركة والمسلمة، ولامتناع وجوب نفقته على أبويه أو غيرهما من أقاربه، والصبيّ ليس بأهلٍ للمضار كالطَّلاق والعَتاق.

ولأبي حنيفة ومحمد: في الإسلام أنه أتى بحقيقته، وهو التصديق بالجَنان والإقرار باللسان، وفي الرِّدَّة أتى بحقيقة الكفر، وهو الجحود والإنكار، وقد اعتبر النبيّ صلى الله عليه وسلم إسلام الصبيّ فيصحّ منه. روى البخاري في «تاريخه» عن عُرْوة قال: أسلم عليّ وهو ابن ثمان سنين. وأخرج الحاكم (في «مستدركه» وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يخرِّجاه، عن ابن عبّاس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) (٤) دفع الرَّاية إلى عليّ يوم


(١) أَخرجه أَبو داود في سننه ٤/ ٥٦٠، كتاب الحدود (٣٧)، باب في المجنون يسرق أَو يصيب حدًّا (١٧)، رقم (٤٤٠٣).
(٢) سورة مريم، الآية: (١٢).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>