للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ تَحَيَّزوا مُجتَمِعِينَ، حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ ابْتِدَاءً

===

قالوا: اللهمَّ، بل في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم، قلت: أخرجت من هذه؟ قالوا: اللَّهمَّ نعم. قلت: وأمّا قولكم: إنه قاتَل ولم يسبِ ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة فتستحلون منها ما تستحلُّون من غيرها وهي أمكم؟ لئن فعلتم قد كفرتم، وإن قلتم ليست بأُمِّنَا فقد كفرتم قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (١) فأنتم بين ضلالتين فأتوا منهما بمخرجٍ، أخرجت من هذه الأخرى؟.

قالوا: اللهمّ نعم. قلت: وأمّا قولكم: مَحَى نفسه من أمير المؤمنين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشاً يوم الحُدَيْبِية على أنْ يكتب بينه وبينهم كتاباً. قال: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله. فقالوا: والله لو كنّا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله. فقال: والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني، يا عليَّ: اكتب محمد بن عبد الله، فرسول الله خيرٌ من عليَ وقد محا نفسه، ولم يكن محوه ذلك محواً من النبوة. أَخَرَجْتُ من هذه الأخرى؟ قالوا: اللَّهمَّ نعم. فرجع منهم ألفان، وبقي سائرهم، فقُتِلُوا على ضلالتهم، قتلهم المهاجرون والأنصار. ولأنّ توبتهم تُرْجى، ولعلّ الشرَّ يندفع بالتذكرة، قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} (٢) وهذه الدعوة ليست بواجبة، لأنهم قد علموا لماذا يقاتَلون، فصاروا كالمرتدّين.

(فَإِنْ تَحَيَّزُوا) أي اختاروا مكاناً (مُجْتَمِعِينَ) أي وللقتال متهيئين (حَلَّ لَنَا قِتَالُهمْ ابْتِدَاءً) كما في «الذخيرة» و «المبسوط» و «الإيضاح». وفي «مختصر القُدُوري»: أنه لا يحلّ أن نبدأهم بالقتال، بل إن قاتلوا قاتلناهم حتّى نفرّق جمعهم، وهو قول مالك والشّافعيّ وأحمد، لأنّه لا يحلّ قتل مسلم إلاّ دفعاً ـ وهم مسلمون ـ بخلاف الكفَّار، فإن نفسَ الكفر مبيحٌ لقتالهم.

ولنا: أنّ خروجهم على الإمام معصيةٌ ومُنْكَرٌ، وقتالنا لهم عليه نهيٌ عنه، فنقاتلهم وإن لم يبدؤنا، ولقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (٣) من غير قيد بالبداءة منهم. ولقول عليّ مرفوعاً: «سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان (٤) ، سفهاء الأحلام (٥) ، يقولون بقول خير البَرِيَّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم،


(١) سورة الأحزاب، الآية: (٦).
(٢) سورة الذاريات، الآية: (٥٥).
(٣) سورة الحجرات، الآية: (٩).
(٤) أَي صغار الأسنان.
(٥) أَي ضعاف العقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>