للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَيُتَّبَعُ مُوَلِّيهِمْ إِنْ كانَ لَهُمْ فِئَةٌ.

وَلا تُسْبَى ذُرِّيَّتُهُمْ، وَيُحْبَسُ مَالُهُمْ إلى أنْ يَتُوبُوا. وَيُسْتَعْمَلُ سِلاحُهُمْ وَخَيْلُهُمْ عِنْدَ الحَاجَةِ.

===

يَمْرُقون (١) من الدين كما يَمْرُق السَّهْمُ من الرَّمية، فأينما لَقِيتُمُوهم فاقْتُلُوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة». رواه أحمد والشيخان. ولأنّ الحكم يُدَار على دليله، ودليل القتال منهم، وهو التحيّز والتهيّؤ والاجتماع موجودٌ ههنا، فلو انتظر حقيقة قتالهم لصار ذريعة إلى تقويتهم.

وفي «مصنف ابن أبي شَيْبَة» عن عليّ كرّم الله وجهه أنه قال يوم الجمل: لا تتبعوا مُدْبِراً، ولا تُجهِزُوا على جريحٍ، ومَنْ ألقى سلاحه فهو آمن. وفي لفظٍ له عن الضَّحَّاك: أنّ عليّاً لمّا هزم طلحة وأصحابه أمر مناديه فنادى: أن لا يُقْتَل مُقْبِلٌ، ولا مُدْبِرٌ، ولا يُفْتَحُ بابٌ، ولا يُسْتَحَلُّ فرجٌ، ولا مالٌ.

هذا، ويجوز قتالهم بكل ما يجوز به قتال أهل الحرب، كالرمي بالنبل والمَنْجَنِيق، وإرسال الماء والنار عليهم، والبَيَات بالليل (٢) ، لأن قتالهم فرضٌ كقتال أهل الحرب والمرتدّين. وقال مالك، والشّافعيّ، وأحمد: لا يجوز قتالهم بالمَنْجَنِيق، وإرسال الماء والنار إلا إذا لم يُدْفَعُوا بدونه.

(وَيُجْهَزُ عَلَى جِرِيحِهِمْ) أي يُسْرَع قَتْلُه ويُتَمَّم (وَيُتَّبَعُ مُوَلِّيهِمْ) كيلا يلحق بهم، وبه قال مالك، وبعض أصحاب الشّافعيّ. (إِنْ كانَ لَهُمْ فِئَةٌ) قيّد به، لاندفاع شرّهم فيما إذا لم يكن لهم فئةٌ بدون الإِجهاز على جريحهم والاتِّباع لمُوَلِّيهم، وعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما سبق عن عليّ كرَّم الله وجهه. وقال الشافعي: لا يجوز الإجهاز ولا الاتِّباع في حال وجود الفئة، كما لا يجوز في حال عدمها، وبه قال أحمد.

ولنا: أنهم إذا كانت لهم فئةٌ، يرجع الجريح والمُوَلِّي إلى فئتهم، ويصيران حرباً علينا، ولا كذلك حال عدم الفئة. (وَلَا تُسْبَى ذُرِّيَتُهُمْ وَيُحْبَسُ مَالُهمْ إلى أنْ يَتُوبُوا) فيردّ عليهم إجماعاً، لأنهم مسلمون في دار الإسلام، فتكون أموالهم وذريتهم معصومةً بالعصمتين، وإنما يحبس مالهم عنهم دفعاً لشرّهم وكسراً لشوكتهم.

(وَيُسْتَعْمَلُ سِلَاحُهُمْ وَخَيْلُهُمْ عِنْدَ الحَاجَةِ) وبه قال مالك وأحمد في روايةٍ. وقال الشافعي: لا يجوز، وهو رواية عن أحمد، لأنه مالُ مسلم، فلا يجوز الانتفاع به إلاّ برضاه. ولنا: ما رواه ابن أبي شَيْبَة في آخر «مصنفه»، في باب وَقْعَة الجمل: (أَنَّ


(١) يَمْرُقُونَ: أَي يَجُوزُونه ويَخْرقونَه ويَتَعَدّونه، كما يخرق السهم الشيء المرميّ به ويخرج منه. النهاية ٤/ ٣٢٠.
(٢) البيات بالليل: مفاجأتهم في جوف الليل. المعجم الوسيط ص ٧٨، مادة (بات)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>