للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ولنا: قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُم القِصَاصُ في القَتْلَى} (١) فإيجاب المال زيادة عليه وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيهَا أنّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (٢) والمراد القتل العَمْد، لأن الله تعالى أوجب الدِّيَة في القتل الخطأ بقوله: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إلاّ أنْ يَصَّدَّقُوا} (٣) وما أخرجه ابن أبي شَيْبَة وإسحاق بن رَاهُوَيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمد قَوَدٌ، إلاّ أن يعفو وليّ المقتول». وزاد إسحاق: «والخطأ عقلٌ لا قود فيه».

وشبه العمد: قتل (٤) العصا والحجر، ورمي السهم، فيه الدِّيَة مغلّظة من أسنان الإبل، وما رَوَوْهُ محمولٌ على رضى القاتل، وإنما لم يذكر رضاه في الحديث، لأن ذلك معلوم. فإنَّ من أشرف على الهلاك إذا تمكّن من دفع الهلاك عن نفسه بأداء المال لا يمتنع من ذلك إلاّ من سَفِهَت نفسه. وهذا كما يقال للدَّائن: خذ بدينك إن شئت دراهم، وإن شئت دنانير، وإن شئت عُرُوضاً. ومعلوم أنه لا يأخذ غير حقّه إلاّ برضاء المديون، وهذا فاشٍ في الكلام. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تأخذ إلاّ سَلَمَك أو رأس مالك» (٥) . أي لا تأخذ إلاّ سلمك عند المُضِي في العقد، ولا تأخذ إلاّ رأس مالك عند الفسخ. ومعلومٌ أنه لا يأخذ رأسه ماله إلاّ برضى الآخر، لأنّ الفسخ لا يتمّ إلاّ باتفاقهم، أو على أن المراد عدم جبر الوَلي على أخذ الدِّيَة.

ويؤيّد ذلك ما روى البخاري عن أنس أنّ الرُّبَيِّع (٦) بنت النضر لطمت جارية فكسرت ثَنِيَّتها (٧) ، فطلبوا العفو فأَبَوْا، فعرضوا عليهم الأَرْش (٨) فأَبُوْا إلاّ القصاص. فجاء أخوها أنس بن النضر وقال: يا رسول الله أَتُكْسَرُ ثنيَّة (٩) الرُّبَيِّع (١٠) ؟ والذي بعثك


(١) سورة البقرة، الآية: (١٧٨).
(٢) سورة المائدة، الآية: (٤٥).
(٣) سورة النساء، الآية: (٩٢).
(٤) في المطبوع: قتيل، والمثبت من المخطوط.
(٥) قال الحافظ ابن حجر في "الدراية" ٢/ ١٦٠: لم أجده بهذا اللفظ … وفى الباب عن ابن عمر قوله: إذ أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك، أو الذي أسلفت فيه .. أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد جيد.
(٦) حُرِّفت في المطبوع إِلى الربيعة، والمثبت من المخطوط وهو الصواب لموافقته لما في صحيح البخاري (فتح الباري) ٥/ ٣٠٦، كتاب الصلح (٥٣)، باب الصلح في الدِّية (٨)، رقم (٢٧٠٣).
(٧) في المخطوط: سنها، والمثبت من المطبوع.
(٨) الأرْش: دِيَة الجراحة. المعجم الوسيط ص ١٣، مادة (أَرش).
(٩) في المخطوط والمطبوع: سن، والمثبت هو الصواب. لموافقته لما في البخاري.
(١٠) حُرِّفت في المطبوع إلى الربيعة، والمثبت من المخطوط وهو الصواب. لموافقته لما في البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>