للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ، كَالنَّائِمِ سَقَطَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَ: كَفَّارَةٌ وَدِيَةٌ عَلَيْهَا.

وفي القَتْل بِسَبَبٍ. كَحَفْرِ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ دِيَةٌ عَلَيْهَا. وَلَا إِرْثَ لِقَاتِلٍ إِلاّ هُنَا.

===

ظنّ المسلم حربياً أو صيداً (وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ) عطف على الخطأ والضمير له (كَالنَّائِمِ سَقَطَ) أي انقلب (عَلَى آخَرَ فَمَاتَ: كَفَّارَةٌ) هذا مبتدأٌ مؤخرٌ (وَدِيَةٌ) في ثلاث سنين (عَلَيْهَا) أي على العاقلة لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (١) وهذا النوع من القتل لا يأثم القاتل فيه للقتل، بل يأثم لترك التحرّز والتثبت في الفعل، لأن الكفّارة تؤذن بالإثم، لأنه للسَّتر، ولا سَتر بدون الإثم، ولا إثم باعتبار نفس الفعل، فيكون باعتبار ما ذكرناه. إلا أن فعل النائم ليس بعمدٍ، ولا خطأ، لأنه لا يُتَصَوَّر من النائم قصدٌ حتى يتصوّر منه ترك التحرّز، ولكن الانقلاب الموجِبَ لِتَلَفِ ما انقلب عليه يتحقّق من النائم، فجرى مجرى الخطأ في جميع الأحكام.

وفي «الذَّخيرة»: قصد أن يضرب يد رجلٍ فأصاب عُنُقه، فهو عمدٌ، وفيه القود، ولو أصاب عنق غيره فهو خطأٌ، لأن البدن محلٌ واحدٌ فيما يرجع إلى قصد الضارب، ففي الأول (أصاب) (٢) المحل الذي قصده، وفي الثاني أصاب غيره. وفي «المجتبى»: وبهذا تبيّن أن قصد القتل ليس بشرطٍ لكونه عمداً.

(وفي القَتْل) خبر مقدَّم (بِسَبَبٍ كَحَفْرِ بِئْرٍ) في غير ملكه (وَنَحْوِهِ) من وضع حجر في غير مِلْكِهِ، ومات به آدمي، وكذا ساقي السّم (دِيَةٌ) مبتدأ الخبر المقدّم (عَلَيْهَا) أي على العاقلة، لأنه فعلٌ مسببٌ التلف، وهو التَّعدِّي، فكان كالدافع والمُلقَى فيه، فتجب الدِّية صيانةً للأنفس، وعلى العاقلة تخفيفاً عليه، لأن القتل بهذا الطريق دون القتل بالخطأ ولهذا لا كفارة فيه.

(وَلَا إِرْثَ لِقَاتِلٍ) في نوعٍ من أنواع القتل (إِلاّ هُنَا) وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس للقاتل من الميراث شيءٌ». رواه النَّسائي من حديث عمرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جدّه مرفوعاً. ورواه مالك عن عمر مرسلاً، وإنما استثنى هذا لما سيأتي.

وقال مالك والشافعي وأحمد هنا: الكفارة وحرمان الإرث كالخطأ، لأن الشرع جعله قاتلاً في حقّ الضمان، فكان كالمباشر، فصار كما لو وطأت دابته إنساناً.

ولنا: أنه ليس بمباشرٍ بالقتل حقيقة، لأن مباشرة القتل اتّصال فعلٍ من القاتل بالمقتول، ولم يوجد هنا إلاّ اتصاله بالأرض، وإنّما أُلْحِقَ بالمباشر في الضمان صيانة


(١) سورة النساء، الآية: (٩٢).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>