وأمّا قوله عليه الصلاة والسلام:«لا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ»(١) فالمراد بالكافر: الحربيّ، بدليل قوله:«ولا ذو عهدٍ في عهده»، وهذا معطوفٌ على المسلم، أي: ولا يقتل ذو عهدٍ بكافرٍ، وإنما لا يُقْتَل ذو العهد بالكافر الحربيّ، ولو كان المراد به الذمي لما صحَّ جريان القصاص بين الذميين.
فإن قيل: جاز أن يُرَاد بذي العهد المسلم. قلنا: العطف يقتضي المُغايرة، فإن قيل: هذا ابتداء أي: لا يقتل ذو عهد في مدّة عهده، قلنا: المراد بالأول نفي القتل قصاصاً لا نفي مطلق القتل، فكذا الثاني تحقيقاً للعطف. ثم القصاص مبنيٌّ على المساواة في أصل العصمة، والمسلم والذميّ في ذلك سواء، لأنهم إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا، والكفر ليس بمبيح للقتل بنفسه بل بواسطة الحِرَابة، وقد سقطت بعقد الذمة وصار من أهل دارنا، ولهذا كان كفر المرأة غير مبيح لقتلها، لأنه غير باعث على الحرابة.
وعمدُ غير المكلّف كصبي ومجنون ومعتوه كالخطأ، فتجب الدية على عاقلته، لأن عليّاً رضي الله عنه أوجب الدِّية على عاقلة مجنون قتل رجلاً بالسيف. وقال: عمده وخطأه سواء. رواه البيهقي، وهو قول مالك. وفي مال القاتل عند الشَّافعي. ولا تكفير في عمد غير المكلّف، ولا حرمان إرث. وحرمه مالك والشّافعيّ الميراث، وألزماه الكَفَّارة.
(وَلَا يُقَادُ) من إنسانٍ (بِمَمْلَوكِهِ وَلَوْ) كان (مُشْتَرَكاً) أو مُدَبَّراً بلا خلافٍ بين أهل العلم، لأنه لا يستوجب على نفسه القصاص (وَ) لا يُقَاد من الوالد أي أصله وإن علا من جهة أبيه وأمه (بِالْوَلَدِ) وإن سفل، وبه قال الشافعي وأحمد وأَشْهَب (وعَبْدِهِ) أي ولا يُقَاد من الوالد بعبد الولد. ومذهب مالك: لا يقاد من الوالد بولده إن قتله على وجهٍ تَثبت فيه الشبهة، كما لو حَذَفه بسيفٍ أو نحوه فقتله، ثم ادّعى أنه لم يرد قتله، بل أراد تأديبه. أمّا لو أضجعه وذبحه، أو شقّ جوفه، أو حَزَّ يده فقطعها، أو وضع أصبعه في عينه ففقأها، فإنه يقاد منه، لأن القصاص يسقط بالشبهة، وفي غير ذلك ونحوه الشبهة قائمة.
ولنا: إطلاق ما أخرجه الترمذي وابن ماجه في الدِّيات عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقَاد الوالد بالولد». وأخرجه البيهقي بسندٍ