للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمُكَاتَب لَهُ وَفَاءٌ، وَوَارِثٌ، وَسِيِّدٌ.

===

صحيحٍ عن عمر وذكر قِصة وقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقَاد الأب بابنه»، لقتلتك. هاتِ ديته، فأتاه فدفعها إلى جدّته، وترك أباه. وأخرج الحاكم في «المستدرك» وقال: صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه، عن ابن عباس قال: جاءت جارية إلى عمر بن الخطاب فقالت: إن سيدي اتَّهمني فأقعدني على النار حتّى أحرق فرجي. فقال لها عمر: (هل رأى ذلك منك؟ قالت: لا، قال: فاعترفتِ له بشيء؟ قالت: لا. فقال عمر:) (١) عَلَيّ به. فقال له عمر: أتعذِّب بعذاب الله؟ قال: يا أمير المؤمنين اتّهمتها في نفسها. قال: هل رأيت ذلك عليها؟ قال: لا. قال: فاعترفت لك به؟ قال: لا قال: والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقَاد بمملوكٍ من مالكه ولا ولدٍ من والده» لأَقَدْتُّهَا منك. ثمّ برزه (٢) فضربه مئة سوطٍ ثم قال لها: اذهبي فأنت حرّة لله تعالى، وأنت مولاة الله ورسوله.

ولأن الولد جزءٌ من والده متفرّعٌ عليه، وإهلاك الأصل بسبب الجزء والفرع ليس من مقتضى الحكمة. ومجمله أنه كان سبباً لوجوده، فلا يلائم أن يكون سبباً لعدمه. وإذا سقط القَوَد عنه بشبهةٍ كقتل الأب ابنه عمداً، يجب الدِّيَة في ماله في ثلاث سنين، لأنه مال وجب بالقتل ابتداءً فأشبه (شبه) (١) العمد. ولأن تقوّم النفس بالمال غير معقول المعنى، وإنما عُرف شرعاً، والشرع إنما ورد بإيجاب الدِّية مؤجّلة في ثلاث سنين، فقبلنا اتباعه.

قيّد بالولد، لأنه يقاد بالوالد من الولد، لأن الحاجة ماسّة إلى شرع الزاجر في حقّه، إذ ربّما يحمله على قتل والده الأطماع الفاسدة، وهو قول أكثر أهل العلم. (وَمُكَاتَبٍ) أي ولا يُقَاد من القاتل بمُكَاتَبٍ (لَهُ وَفَاءٌ (٣) وَوَارِثٌ وَسِيِّدٌ) لاشتباه من له الحقّ، لأنه (٤) : المولى إن مات المُكَاتَب عبداً، والوارث إن مات حرّاً. والصحابة اختلفوا في موته هل هو على صفة الحرية أو الرِّقيّة؟ فقال عليّ وابن مسعود: يموت حرّاً إذا أُدِّيت كتابته، فيكون الاستيفاء لورثته. وقال زيد بن ثابت: يموت عبداً، وبه قال الشّافعيّ وأحمد، فيكون الاستيفاء لمولاه. فأمّا إذا لم يكن له وفاء وكان له وارث غير


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٢) برزه: أَخرجه إِلى الفضاء. القاموس المحيط ص ٦٤٦، مادة (برز).
(٣) أَي مَالُهُ يوفي بدلَ الكتابة. حاشية محمود بن إلياس الرومي بهامش فتح باب العناية ٢/ ٤٧١.
(٤) أَي من له الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>