للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَسْقُطُ دِيَةٌ وَقَوَدٌ وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ. وَلَا يُقَادُ إِلاّ بِسَيْفٍ

===

مولاه، كان القصاص لمولاه، لأنه مات رقيقاً، لانفساخ الكتابة بموته لا عن وفاء، فظهر أنه قُتِل عبداً. ولو كان للمُكَاتَب وفاءٌ وسَيِّد فقط، كان له القصاص عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: لا قصاص فيه لاشتباه سبب الإيفاء، فإنه له الولاء إن مات حرّاً، والملك إن مات عبداً، واختلاف السبب كاختلاف المُسَبَّب.

(وَيَسْقُطُ دِيَةٌ وَقَوَدٌ وَرِثَهُ) ابن (عَلَى أَبِيهِ) لأنّ الدِّية والقود عقوبة، والابن لا يستوجب عقوبة على أبيه. وصورة المسألة: أن يقتل الأب أخا امرأته وله منها ابن، ثمّ تموت امرأته قبل أن يُؤْخذ، فإنّ ابنه منها يرث الذي كان لها من القَوَد على أبيه ويسقط. (وَلَا يُقَادُ) من قاتلٍ (إِلاّ بِسَيْفٍ) وهو روايةٌ عن أحمد. وقال الشّافعيَ يُفْعَلُ به مثلما فعل إن كان مشروعاً، وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الظَّاهر. وإن كان فعلاً غير مشروعٍ بأن لاط بصغيرٍ، أو وطاء صغيرةً حتّى قتلها، أو سقاه خمراً حتّى مات، اختلف أصحابه: فقيل تُجَزُّ رقبته، وقيل في اللواطة: يُتَّخذ له آلة مثل الذَّكَر فَيُفْعَلُ به مثلما فعل، وفي الخمر: يُسْقَى الماء حتّى يموت.

ولو فُعِلَ به مثلما فعل فلم يمت ففيه قولان: أحدهما: أن يُكَرَّر ذلك الفعل عليه حتى يموت، وبه قال مالك. وثانيهما: أن يُعْدَل إلى السيف. احتجوا بقوله تعالى: {وإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (١) ، وقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (٢) وبما في الصحيحين عن أَنس: أَنْ جارية من الأنصار قتلها رجلٌ من اليهود على حُليَ لها، رضَّ (٣) رأسها بين حجرين، فسألوها من صنع بك هذا؟ فلان؟ فلان؟ حتّى ذكروا لها يهودياً، فأومأت برأسها. فَأُخِذَ اليهودي، فأقَرَّ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رأسه بالحجارة.

ولنا ما أخرجه ابن ماجه في «سننه» عن أبي بكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأخرجه أيضاً فيها عن النُّعْمَان بن بَشِير عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا قود إلاّ بالسيف». وليس معناه: لا قود يجب إلاّ بالسيف لأن القود يجب بغير السيف إجماعاً، وأمّا قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} فروى الطَّحاويّ عن ابن عباس وأبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لمّا قُتِلَ حمزة ومُثِّل به: «لئن ظفرت بهم لأُمَثِّلَنَّ بسبعين رجلاً منهم». وفي رواية: «والله لأُمَثِّلَنَّ بسبعين رجلاً منهم». فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} … الآية، فصبر


(١) سورة النحل، الآية: (١٢٦).
(٢) سورة البقرة، الآية: (١٩٤).
(٣) الرّض: الدَّقُّ. النهاية ٢/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>