للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَسْتَوْفِي الكَبِيرُ قَبْلَ كِبَرِ الصَّغِيرِ قَوَدًا لهُمَا. وفي قَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا ظَنَّهُ مُشْرِكًا عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيِنْ، الكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ

===

رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفَّر عن يمينه. وقوله: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} يدلّ على المماثلة، وفيما قالوا زيادة عليها. وأمّا حديث اليهوديّ: فما فعله صلى الله عليه وسلم به كان على طريق السياسة، لأن اليهوديّ كان مشهوراً بذلك. فأمر عليه الصلاة والسلام برضخه لكونه ساعياً في الأرض بالفساد، لا بطريق القِصاص. يدلّ عليه ما روى مسلم: أنه عليه الصلاة والسلام أمر برجم اليهوديّ حتّى مات. والرَّجم يصيب الرأس وغيره.

(وَيَسْتَوْفِي الكَبِيرُ قَبْلَ كِبَرِ الصَّغِيرِ قَوَداً لهُمَا) سواء كان الكبير له التصرُّف في مال الصغير أو لم يكن، وهذا عند أبي حنيفة، وبه قال مالك، وأحمد في رواية، واللّيث بن سعد، وحمّاد بن سليمان، والأَوْزَاعِيّ. وقال أبو يوسف ومحمد: إذا لم يكن الكبير وليّاً له التصرُّف في مال الصغير لا يستوفي حتّى يُدْرِك الصغير، لأن القود مشتركٌ بين الكبير والصغير، ولا ولاية للكبير على الصغير حتّى يستوفي حقّه، ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزاء فتعيّن التأخير إلى بلوغ الصبيّ، كما لو كان معهما كبيرٌ غائبٌ.

ولأبي حنيفة: أن عليّاً كرّم الله وجهه لمّا أصابه ابن مُلْجَم قال في وصيته: أمّا أنت يا حسن، فإن شئت أن تَعْفُوَ فاعفُ، وإن شئت أن تقتصَّ فاقتصّ بضربةٍ واحدةٍ، وإيّاك والمُثْلة. فلمّا مات عليّ قُتِلَ به، وفي ورثته صغار منهم العبّاس كان عمره أربع سنين، ولأن احتمال العفو معدومٌ في الحال، وموهومٌ في الاستقبال، فتأخيره ربّما يؤدي إلى المحال. وأمّا الكبير الغائب فيُنْتَظر لقرب توقّع الوصال. ولو كان الكبير وليّاً للصغير له التصرُّف في ماله كالأب والجدّ، له أن يستوفي قبل أن يبلغ الصغير باتفاق أصحابنا، ولو كان وليّاً لا يتصرّف في المال كالأخ والعمّ فعلى الخلاف.

(و) يجب (في قَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِماً ظَنَّهُ مُشْرِكاً عِنْدَ الْتِقَاءِ، الصَّفّيْنِ الكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ) لأن هذا أحد نوعي الخطأ، وهو الخطأ في القصد، والخطأ بنوعيه يوجب الكفّارة والدِّية. روى الشَّافعي في «مسنده» عن مُطَرِّف، عن مَعْمَر، عن الزُّهْرِيّ، عن عُرْوَة قال: كان أبو حُذَيْفَة شيخاً كبيراً فوقع في الآطام مع النساء يوم أحد، فخرج يتعرّض للشهادة فجاء من ناحية المشركين، فابتدره المسلمون بأسيافهم، وحُذَيْفَة يقول: أبي أبي، فلا يسمعونه من شغل الحرب حتّى قتلوه. فقال حُذَيْفَة: يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين قال: ووَداه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن طريق الشَّافعيّ رواه

<<  <  ج: ص:  >  >>