للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قول مالك وأحمد، وقال الشّافعيّ: في المارن الدية، وفي القصبة: حكومة عدل، لأن المارِن وحده موجب للدِّية، فتجب الحكومة في الزائد، كما لو قطع القصبة وحدها وقطع لسانه.

ولنا: ما أخرجه البزَّار في «مسنده» عن أبي بكر بن عُبَيْد الله بن عمر، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في الأنف إذا استوعب جَدْعُهُ الدِّيَة». ولأنه عضوٌ واحدٌ فلا يجب فيه أكثر من دية. ولو قطع أنفه فذهب شمّه، فعليه دِيَتان، لأن الشَّمَّ في غير الأنف، فلا تدخل دِيَة أحدهما في الآخر، كالسمع مع الأذن.

وأمّا الحَشَفَة، فَلِمَا روى ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» عن الزُّهْرِيّ: أنّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى في الذَّكَر: الدية، مئة من الإبل إذا استوصل أو قُطِعَت حَشَفَتُهُ. وأخرج البَيْهَقِيّ عن ابن المُسَيَّب قال: مضت السُّنَّة أن في الذَّكر: الدِّيَة، وفي الأُنْثَيَيْنِ: الدِّية. ولأنّ قطع الذَّكر يفوت به منفعة الوطاء والإيلاد، والرمي بالبول، ودفق الماء، والإيلاج الذي هو طريق الإعلاق عادةً. والحَشَفَة أصلٌ في منفعة الإيلاج والدفق، والقصبة كالتابع له.

وأمّا العقل إذا ذهب بضربة، فلفوات منفعة الإدراك، لأن الإنسان به يتميّز عن غيره من جنس الحيوان، وبه ينتفع بنفسه في أمر معاشه وزاد معاده.

وأمّا إحدى الحواس، فلأن كلّ واحدةٍ منها منفعةٌ مقصودةٌ، وقد روى ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» عن أبي خالد، عن عوف الأعرابي، قال: سمعت شيخاً في زمان الجماجم (١) ، فنعت نعته فقيل: ذلك أبو المهلَّبِ عمّ أبي قِلَابة قال: ضرب (٢) رجلٌ رجلاً بحجرٍ في رأسه في زمان عمر بن الخطاب، فذهب سمعه وعقله ولسانه وذكره، فلم يقرب النساء. فقضى عمر فيها بأربع دِيَات، وهو حيّ. رواه عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن سفيان الثَّوْريّ عن عوف: به.

وفي «المبسوط»: ويُعْرَفُ فوات هذه المعاني بتصديق الجاني أو نكوله إذا استُحلف، ويُعْرَف فوات البصر بقول عَدْلَيْنِ من الأطباء. وفي «الذَّخيرَة»: طريق معرفة ذهاب السَّمْع: أن يُتَغَافل ويُنَادى، فإن أجاب لذلك عُلِمَ أن سمعه لم يذهب. وحكى النَّاطِفِيّ عن القاضي أبي حازم، والقُدُوري عن إسماعيل بن حمّاد: أن


(١) في مصنف ابن أبي شيبة ٩/ ٢٦٦، رقم (٧٤٠٠): "قَبْل فِتنة ابن الأشعث" بدل "زمان الجماجم".
(٢) في المخطوط رمى، والمثبت من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>