للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

رجلاً ضرب رأس امرأته، فزعمت أن سمعها ذهب، فاشتغل إسماعيل بالقضاء، ثم التفت إليها وهي عاقلةٌ، وقال: استري عورتك فَجَعَلت تجمع ثيابها، فَعَلِمَ أنها سامعة. وفي «المنتقى» قال أبو يوسف: لا يُعْرَفُ ذهاب السمع، والقول فيه للجاني. وأمّا طريق معرفة ذهاب البصر: فقال محمد بن مُقَاتِل الرَّازي: يَسْتَقْبِل الشمس مفتوح العين، فإن دَمَعَتْ عينه عُلِمَ أنّ الضوء باقٍ، وإن لم تدمع عُلِمَ أن الضوء ذاهبٌ. وذكر الطَّحَاويّ أنه يُلْقى بين يديه حيةٌ، فإن هرب منها عُلِمَ أنّ بصره لم يذهب. وفي «الأصل»: قال محمد: إن لم يُعْلَم بما ذكرنا، ويُعْتَبَرُ فيه الدَّعْوَى والأنكار، والقول للجاني مع يمينه على البَتَات، لأن هذا يمينٌ على فعل نفسه، وهو إذهاب بصر غيره منه.

وأمّا اللِّسان فَلِمَا روى ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» عن وَكِيع، عن ابن أبي ليلى، عن عِكْرِمة بن خالد، عن رجل من آل عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في اللِّسان الدِّيَةُ كاملةً». وما أخرج ابن عَدِيّ في «كامله» عن عمرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في اللسان الدِّية إذا مُنِعَ من الكلام». ولأنّ في قطعه فوات منفعةٍ مقصودةٍ به، وهي النطق، وكذا في قطع بعضه إذا مُنِعَ الكلام، لأن الدِّيَةَ تجب لتفويت المنفعة، لا لتفويت صورة الآلة، وقد حصل تفويت المنفعة بالامتناع عن الكلام.

ولو قدر على التكلّم ببعض الحروف دون بعض تقسَّم الدِّيَة على عدد الحروف الثمانية والعشرين من حروف المعجم، وهو قول مالك والشّافعي وأحمد، وقيل: على الحروف التي تتعلّق باللِّسان، فبقدر ما لا يقدر تجب، وهو قول بعض أصحاب الشّافعيّ، ووجهٌ عن أحمد. والحروف التي تتعلّق باللِّسان: هي ما عدى الشَّفَوِيّة والحَلْقِيَّة. والشَّفَوِيَّةُ أربعةٌ: الباء، والميم، والواو، والفاء، والحَلْقِيَّة ستةٌ: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، ولو بدّل حرفاً مكان حرفٍ مثل أن يقول في دِرْهَم: دِلْهَم، فعليه ضمان الحرف لتلفه، وما صار بدله لا تقوم مقامه.

وأمّا شعر اللِّحْيَة وشعر الرأس، فإنّ اللِّحية في أوانها جَمَالٌ على الكمال، وكذا شعر الرأس جَمَالٌ على الكمال، وبه قال أحمد والثَّوْريّ. وقال مالك والشّافعيّ: تجب فيهما حكومة عدل، لأنه شعرٌ ينمو من البدن بعد كمال الخِلْقَة، ولا يتعلّق بحلقه كمال الدِّيَة كشعر الصَّدر. ولنا: أنّ شعر الصَّدر والسَّاق لا يتعلّق بهما جَمَالٌ ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>