للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ كُل مَالِهِ، إِنْ طَالَ مُدَّتُهُ وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ، وَإلَّا فَمِنْ ثُلُثِهِ.

وَإِنْ اجْتَمَعَ الوَصَايَا، قُدِّمَ الفَرْضُ، فَإِنْ تَسَاوَتْ قُوَّةً، قُدِّمَ مَا قَدَّمَ، وإِنْ أَوْصَى بِحَجٍّ أَحَجَّ عَنْهُ رَاكِبًا مَنْ بَلَدهِ إِنْ

===

ذات الجَنْبِ (١) ، أَوْ زكامٍ ونوازل، أَوْ سُعَالٍ طويلٍ ويلزمها حمّى هاوية. (مِنْ كُلِّ مَالِهِ إِنْ طَالَ مُدَّتُهُ وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ) من هذه الأشياء، لأنها حينئذٍ تصير طبعاً له، ولهذا لا يشتغل بتداويها.

(وَإِلاَّ) أَي وإِن لم تطلّ مدته وخيف موته منها ومات (فَمِنْ ثُلُثِهِ) لأنها في ابتدائها يخاف الموت، ولهذا يتداوى منها فيكون مرض الموت، ولو صار المُبْتَلى بها صاحب فِراش بعد التطاول، فهو كمرضٍ حادثٍ حتّى تعتبر تبرعاته من الثُّلُث.

(وَإِنْ اجْتَمَعَ الوَصَايَا) وضاق عنها الثُّلُث (قُدِّمَ الفَرْضُ) وإِن أَخَّره الموصِي عن غيره، لأنه أَهمّ. (فَإِنْ تَسَاوَتْ قُوَّةً قُدِّمَ مَا قَدَّمَ) المُوْصِي، لأن الظاهر من حال الإنسان أَنْ يبدأَ بما هو أَهم عنده، والثابت بالظاهر كالثابت بالنصّ. ولو نصّ على تقديم ما بدأَ به لزم تقديمه، فكذا هنا.

وأَمّا لو تساوت رتبةً وتفاوتت قوةً يقدّم الأقوى: فتقدم الزكاة على الحج لتعلّق حقّ العبد في القبض بها، فكان ممتزجاً بالحقين. وعن أَبي يوسف، وهو قول محمد: يقدّم الحج عليها، لأنه يقام بالمال والبدن، وهي بالمال فقط. وتقدّم الزكاة والحج على الكفَّارة، لأنه جاء فيهما من الوعيد ما لم يأتِ فيها. قال الله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنّ اغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِيْنَ} (٢) ، وقال: {والّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُوْنَهَا في سَبِيْلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيْمٍ} (٣) .

وتقدَّمُ كفارة القتل والظِّهار واليمين على صدقة الفطر، لأن وجوبها عُرِف بالكتاب دون صدقة الفطر. وتقدّم صدقة الفطر على الأُضْحِية للاتفاق على وجوبها دون الأُضْحِية. وتقدّم كفّارة القتل على كفارة الظِّهار واليمين، لأنها أَكثر تغليظاً منهما، أَلا ترى أَنْ الإسلام شرط في التحرير عنها دونهما وتقدّم كفَّارة اليمين على كَفَّارة الظِّهَار، لأنها لهتك حرمة اسم الله تعالى، وكفارة الظِّهار لإيجاب العبد حرمة على نفسه. والنذر يقدّم على الأُضْحِية، لأن النَّذر ثابتٌ بالكتاب دونها.

(وإِنْ أَوْصَى) المريض (بِحَجَ) أَي فرض (أَحَجَّ) الوَصِيُّ (عَنْهُ رَاكِبَاً مَنْ بَلَدِهِ إِنْ


(١) ذات الجَنْب: التهابٌ في الغشاء المحيط بالرِّئة. المعجم الوسيط ص ٣٠٨.
(٢) سورة آل عمران، الآية: (٩٧).
(٣) سورة التوبة، الآية: (٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>