للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي كُلٍّ مِنْ رَكَعَاتِ الوِتْرِ والنَّفْلِ.

والمُكْتَفِي بها مُسِيءٌ. وعِنْدَهُمَا آيَةٌ طَوِيلَةٌ، أوْ ثَلاثٌ قِصَارٌ. والرُّكُوعُ، والسُّجُودُ

===

فقال: لو كان لي عليهم سبيل لقلعت (١) ألسنتهم، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت قراءته لنا قراءة، وسكوته لنا سكوتاً».

قال الطَّحَاوِي: وقد رُوِي عنه خلاف ذلك، كما حدَّثنا صَالِحُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيّ: حدَّثنا سَعِيدُ بنُ مَنْصُور: حدَّثنا هُشَيْم: أخبرنا حُصَيْن، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: «حَفِظْتُ السُّنَّة، غير أَنِّي لا أَدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر، أم لا»؟ فهذا يدل على أنه ما تحقق عنده قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند غيره تحقَّق، كما هو مقرر في محله، ومن حَفِظَ حجةٌ على من لم يَحْفَظ.

مع أنه قد رُوِيَ عن ابن عباس مِنْ رأيه ما يدل على خلاف ذلك، كما رواه الطحاوي بسنده عنه أنَّه قال: «اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب في الظهر والعصر». وفي رواية له عنه: «لا تُصَلِّ صلاة إلاَّ قرأت فيها، ولو بفاتحة الكتاب». كذا حقّقه الطحاوي وتَبِعَه بعض المخرّجين.

والظاهر أنَّ جزمه بناءً على غلبة الظن، وتردده بناء على عدم تحقّقه عنده، إنَّما هو في الركعتين الأُخْرَيَيْن من الظهر والعصر، وهو لا ينافي ما تقدَّم. والله سبحانه أعلم.

(وفي كُلَ مِنْ رَكَعَاتِ الوِتْرِ والنَّفْلِ) أمّا النفل، فلأن كل شَفْعٍ منه صلاةٌ على حدة، فصار كركعتي الصبح، ولهذا لا يُؤَثِّرُ فساد شفع منه فيما قبله (٢) . وأمّا الوِتْر فلإلحاقه بالنفل احتياطاً، لأنَّ دليل وجوبه ليس بقطعي. (والمُكْتَفِي بها) أي بالآية (مُسِيءٌ) أيْ آثم لتركه الواجب: وهو قراءة الفاتحة. (وعِنْدَهُمَا) وهو رواية عن أبي حنيفة: فَرْضُ القراءة (آيَةٌ طَوِيلَةٌ أوْ ثَلَاثٌ قِصَارٌ) لأَنَّه لا يُعَدُّ قارئاً في العُرْفِ بدون ما ذُكِرَ.

(والرُّكُوعُ) عطف على التحريمة (والسُّجُودُ) لقوله تعالى: {يَا أيُّها الذين آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا} (٣) فأركان الصلاة شُرِعَت في كتاب الله متفرقة، وعُرِفَ الترتيب


(١) في المخطوط: لقطعت، والمثبت: من المطبوع وهو موافق لما في رواية الطحاوي في كتابه" شرح معاني الآثار"، ١/ ٢٠٥.
(٢) مثاله: إذا صلى أربع ركعات نفل وقعد القعود الأول، ثم طرأ فاسد في الركعتين الأُخْرَيين، فإِن هذا الفاسد لا يؤثر بالركعتين الأوليين، وإنما تُكتبا له. وثمرة ذلك تظهر في وجوب الإعادة، ففى هذه الحالة، يتوجب عليه إعادة الركعتين الأُخْريين، لا الأوليين. والله تعالى أعلم.
(٣) سورة الحج، الآية: (٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>