للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويَدْعُو بِمَا لا يُسْأَلُ مِنَ النَّاسِ،

===

الإنسان. قلت: لقوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عليه وسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (١) وهو أعمّ من أن يكون خارج الصلاة أو داخلها. وقال الطَّحَاوِيّ: يجب عند سماع اسمه في كل مرة، وهو الصحيح. كذا في «المحيط»، ويتداخل في المسجد والمجلس. وقال القاضي عِيَاض: وقد شَذَّ الشافعي فقال: من لم يُصَلِّ عليه فصلاته فاسدة، ولا سلف له في هذا القول، ولا سُنَّة يَتَّبِعُها. وشَنَّعَ عليه فيه جماعة منهم الطَّبَرَانِيّ والقُشَيْرِي، وخالفه من أهل مذهبه الخَطَّابِيّ وقال: لا أعلم له فيها قدوة.

وما رُوِيَ عنه عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لمن لم يُصَلِّ عليّ» (٢) ، ضَعَّفَهُ أهل الحديث كلهم: وعلى فرض صحته فمعناه: كاملة، أو: لِمَنْ لم يُصَلِّ عليّ في عُمُرِه. وكذا ما جاء في حديث (أبي مسعود) (٣) عنه صلى الله عليه وسلم «من صلّى صلاة لم يُصَلِّ عليّ فيها وعلى أهل بيتي لم يقبل الله منه» (٤) ، وهذا ضُعِّف بجَابرِ الجُعْفِي، مع أنه قد اخْتُلِفَ عليه في رَفْعَه ووَقْفه.

(ويَدْعُو) بعد الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم (بِمَا لا يُسْأَلُ مِنَ النَّاسِ) لِمَا مَرَّ من قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: «إنّ هذه الصلاة لا يَصْلُحُ فيها شيء من كلام النَّاس، إنما هي التسبيح، والتهليل، وقراءة القرآن». أي ونحوها من سائر الأدْعِية والأذْكَار فلو قال: اللهم ارْزُقْنِي من بَقْلِها وقِثَّائِها (٥) وفُومها، جاز. ولو قال: أعطني بقلاً وقثاء وفوماً، فسدت صلاته إنْ لم يَقْعُد قدر التشهد، وإن قعد تَمَّتْ وخرج به من الصلاة. وعند الشافعي يجوز أنْ يدعو بما شاء مطلقاً.

والأَوْلَى أنْ يدعو بالأدعية المَأْثُورة منها قوله صلى الله عليه وسلم «إذا فَرَغَ أحدكم من التَّشَهُّد الآخر فَلْيَتَعَوَّذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المَحْيا والممات، ومن فتنة شر المسيح الدجّال» (٦) . ومنها قول عائشة: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو


(١) سورة الأحزاب، الآية: (٥٦).
(٢) جزء من حديث أخرجه البيهقي في سننه الكبرى ٢/ ٣٧٩، عن عبد المهيمن بن عباس. وانظر نصب الراية ١/ ٤٢٦ - ٤٢٨.
(٣) حرفت في المطبوعة والمخطوطة إلى ابن مسعود والصواب ما أثبتناه لموافقته لما في نصب الراية ١/ ٤٢٧، وسنن الدارقطني ١/ ٣٥٥، والدراية ١/ ١٥٨.
(٤) أخرجه الدارقطني في سننه ١/ ٣٥٥. وانظر نصب الراية ١/ ٤٢٧.
(٥) القِثَّاء: نوع من البطيخ، نباتيّ قريب من الخيار لكنه أطول. المعجم الوسيط ص: ٧١٥، مادة (أَقثأ).
(٦) صحيح مسلم ١/ ٤١٢ كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٥)، باب ما يستعاذ منه في الصلاة (٢٥)، رقم (١٢٨ - ٥٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>