عليه أحد إلاَّ بإخبار الناوي. فجاز أنّ مُعَاذاً كان يُصَلِّي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بنية النفل، لِيَتَعَلَّم منه سنة الصلاة ويَتَبَرَّك بالصلاة خلفه، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الفرض. ومع وجود الاحتمال لا يتم الاستدلال. ومن المعلوم أنّ حَمْل فعل الصحابيّ على الوجه المتفق عليه، أوْلَى من حمله على المختلف عليه.
وروى أحمد في «مسنده»: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إمَّا أنْ تُصَلّي معي، وإمَّا أن تُخَفِّفَ عن قومك». ومعناه: إما أنْ تصلّي الفرض معي، ولا تُصلِّي بهم، وإمَّا أنْ لا تُصلِّي معي الفرض حتى لا ينتظروك. قال ابن تيمية في «المُنْتَقَى» ـ وهو من أكابر الحنابلة ـ: فيه دَلالة على منع اقتداء المفترض بالمتنفل، لأنه يدل على أنه متى صَلّى معه امتنعت إمامته ـ أي للتقسيم الحاصر ـ، وبالإجماع لا تَمْتَنِعُ إمامته لصلاته النفل معه، فَعُلِمَ أن الذي كان يصلّيه مُعَاذ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم نفل.
(ومُفْتَرِضٍ) عطف على متنفل أي ولا يقتدي مُفْتَرِض بمُفْتَرِضٍ (فَرْضاً آخَرَ) لأن الاقتداء: شَرِكَةٌ في التحريمة المقرونة بالنيّة، وموافَقةٌ في الأفعال البدنية. ولما روى أصحاب «السنن» عن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الأئمة ضُمَنَاء، والمُؤَذِّنُون أُمَنَاء. اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين». قال صاحب «الغَريبَيْنِ»: معنى الضمان: الحفظ والرعاية. فمعنى الحديث ـ والله تعالى أعلم ـ أن الإمام حافظ، ومراع لصلاة من اقتدى به صحة وفساداً. وتوضيحه: أنه يَسْرِي فساد صلاة الإمام إلى صلاة المأموم عندنا. وجعله مالك والشافعيّ تَبَعاً له في صورة الموافقة، لا في الفساد والصحة، لقوله صلى الله عليه وسلم «إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به». أي: لِيُوَافَقَ في أَفعاله ويُتَابِعَه فيها. وفيما عدا ذلك، صلاة كل منهما في الصحة والفساد مضافة إلى اجتماع شرائطها وأركانها، وعدم اجتماعهما.
ولنا: ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم «الإمام ضامن». رواه أبو داود، والتّرمذيّ. وإنما يكون ضامناً إذا تَضَمَّنَتْ صلاته صلاة المُقْتَدِي، لتصح بصحتها، وتفسد بفسادها. فيكون اتحاد الصلاتين شرطاً في صحة الاقتداء، إلا ما فيه بناء الأخف على الأقوى، كاقتداء المُتَنَفِّل بالمُفْتَرِض على ما لا يَخْفَى. وصريح ما رواه عبد الرزاق في «مصنفه»: «أنّ عليّاً رَضِي الله عنه صلّى بالناس وهو جُنُب، أو على غير وضوء، فأعاد وأَمَرَهم أن يُعِيدُوا. وأنَّ عمر رَضِيَ الله عنه صلّى بالناس وهو جُنُب، فأعاد ولم يُعِدِ الناس. فقال له عليّ: قد كان يَنْبغِي لمن يُصَلّي معك أنْ يُعِيدَ، فَرَجَعُوا إلى قول عليّ رَضِيَ الله عنه.
قال القاسم: وقال ابن مسعود: مثل قول عليّ. وقد رَوَى البيهقِي والدَّارَقُطْنِي عن