للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وبعده أيضاً عند بعض مشايخ ما وراء النهر. وقال محمد: يقضيها وحدها أيضاً قبل الزوال لِمَا روى مسلم من حديث أبي هريرة قال: «عَرَّسْنَا (١) مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم ليأخذ كل إنسان برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان. قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ، ثم صلّى سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلّى الغَداة ـ أي فرض الفجر ـ قضاء». ولهما أنَّ الأصل في السنة أن لا تُقْضَى. وقد ورد هذا الحديث بقضاء سنة الفجر تَبَعاً، فيبقى ما عدا ذلك على الأصل.

وذكر في «الفتاوي الظَّهِيرِيَّة»: لو افتتح ركعتي الفجر قبل صلاة الفجر، وأفسدها ثم قضاها بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، قيل: يجوز، وفيه نظر. والأصَحُّ أنه لا يجوز، لأنه إبطال للعمل. وقد قال الله تعالى: {ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (٢) . وقد قال في «المُنْيَة»: ولو أفسد سنة الفجر لا يقضيها بعدما صلى الفجر. قال الحَلَبِي: لِمَا مَرَّ من كراهة ما لزم بالشروع في الوقتين. قيل: والأحسن أنْ يشرع في السُّنَّة، ثم يُكَبِّرُ من غير رَفْعٍ بالفريضة ناوياً لها، ويُتِمَّ الفرض مع الإمام فإذا سلَّم الإمام لم يسلم هو، ويقوم ويُصَلِّي السنة بلا نية مُجَدَّدَة بل بالنية الأولى، فلا يكون مفسداً للعمل، بل يكون مُنْتَقلاً من عمل إلى عمل.

قال في شرح «المُنْيَة»: ولا يُلْتَفَتُ إلى ما ذُكِرَ في «المحيط» عن بعض المشايخ من أنه: إنْ خاف أن لا يُدْرِكُ الفرض لو صلَّى السنة، فالأحسن أن يشرع في السنّة ويكبّر لها ثم يكبّر أخرى للفريضة، فيخرج من السنة ويصير شارعاً في الفريضة ولا يصير مفسداً، لعدم الفائدة في ذلك، لأنه وإن سُلِّمَ أنه لا يصير مفسداً، لكن كراهة قضائها بعد صلاة الفجر باقية. اللهم إلاَّ أنْ يفعل ذلك ليقضيها بعد ارتفاع الشمس، فهو غير ثابت بالسنة ـ كما سبق ـ فلا فائدة في هذا التكَلُّف.

وأيضاً إنَّ ما وجب بالشروع ليس أقوى مما وجب بالنذر، ونَصَّ محمد: أنَّ المنذور لا يُؤَدّى بعد الفجر قبل الطلوع. وأيضاً شروع في العبادة بقصد الإفساد، فإن قيل: ليؤدّيها مرة أُخْرَى قلت: إبطال العمل قصداً مَنْهِيٌّ عنه، ودرء المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة.

وقال مالك والشافعي: يترك سنة الفجر ويقتدي، وإن لم يخف فَوْتها كالظهر.


(١) عرّس: تقدم شرحها ص: ٢٣٦، التعليقة رقم: (٣).
(٢) سورة محمد، الآية: (٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>