للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ كَرَّرَ في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أوْ صَلاةٍ، يَكْفِي سَجْدَةٌ

===

إحدى السجدتين في الصلاة لا تنوب عن الأخرى، والركوع لا ينوب عنها، فكذلك لا ينوب عن سجدة التلاوة. وفي القياس: يجوز التقارب بين الركوع والسجود فيما هو المقصود، فكل واحد منهما في الصلاة قربة. وأخذنا بالقياس لأنه أقوى الوجهين.

والقياس والاستحسان في الحقيقة قياسان، وإنما يُؤْخَذُ بما يترجح بظهور أثره، أو قوة في جانب صحته. انتهى. ثم إن قرأ بعدها مقدار ثلاث آيات، سجد لها قصداً في الصلاة، لأنها صارت ديناً عليه بفوات محل الأداء، فلا ينوب الركوع عنها بخلاف ما إذا ركع عندها، فإنها ما صارت ديناً لبقاء محلها، وبخلاف ما إذا كانت قريبة من خاتمة السورة، فإنها لا تصير ديناً بعدُ، حين لم يقرأ بعدها ما يَتِم به القراءة.

(فإنْ كَرَّرَ) التالي آيةَ السجدة، سواء كان المكرَّر متحداً أو متعدداً (في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ) كالمسجد مطلقاً على المذهب، أو البيت الصغير، أو تلاها على دابة سائرة وهو في الصلاة، أو في سفينة سائرة، وإن قام وقعد (أوْ صَلاةٍ) بأن قرأ في غير الصلاة ثم أعادها في الصلاة من غير اختلاف المجلس. وفُهِمَ من تخصيص المُعَاد بكونه في الصلاة أن الأول في غير الصلاة.

(يَكْفِي سَجْدَةٌ) لأن المجلس متحد فتتداخل التلاوات. وفي «الخُلَاصة»: لا فرق بينهما إذا أدى السجدة ثم كَرَّر، أو كَرَّر ثم أدى، لأن مبنى السجود في التلاوة على التداخل، لأن القاريء قد يحتاج إلى تكرار الآية للحفظ والتعليم والاعتبار والتَّفهُّم (١) . فلو وجب عليه تكرير السجود لربما وقع في حرج، ويكون سبباً لترك التلاوة التي هي من أفضل أنواع العبادة.

والتداخل قد يكون في الأسباب، بأن ينوب واحد منها عما قبله وما بعده، وهو ألْيَقُ بالعبادة لأن تركها مع وجود سببها شنيع. وقد يكون في الأحكام، بأن ينوب واحد منها عمّا قبله، وهو أليق بالعقوبة، لأنها شرعت للزَّجْر وهو يحصل بواحد. والكريم قد يعفو مع قيام سبب العقوبة. وخالف مالك والشافعي فَعَدَّدَاها، لأن السبب قد تعدد فيعدد المُسَبَّبُ، لأن مبنى العبادات على التكثير لأنا خُلِقْنَا لها بخلاف العقوبات، فإن مبناها على الدَّرْءِ والدفع.

ولنا: ما سبق المؤيد بقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُم في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٢) ،


(١) في المخطوط: التفهيم، والمثبت من المطبوع.
(٢) سورة الحج، الآية: (٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>