للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أنْ يَدْخُلَ بَلَدَهُ، أوْ يَنْوِي إِقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ بِبَلْدَةٍ أوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ،

===

والتوفيق أن إتمامه المَرْوِيَّ كان حين أقام بمِنىً أيام مِنىً. ولا شك أنه حكم منسحب على إقامة أيام مِنىً، فشاع إطلاق أنه أتمّ في السفر. ثم كان ذلك منه بعد مضي صدر من خلافته، لأنه تأهَّلَ بمكة، على ما رواه أحمد: «أنه صلّى بمنىً أربع ركعات، فأنكر الناس عليه فقال: أيها الناس، إنِّي تَأَهَّلْتُ بمكّة منذ قَدِمْتُ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأَهَّلَ في بلد فليصلِّ صلاة المقيم».

والحاصل أن القصر رُخْصَةُ إسقاطٍ، فهي رخصة مجازية، ولذا سمّاه في النص صدقة، ورَفْعَ الجُنَاح في الآية لدفع توهّم النقصان في صلاتهم بسبب دوامهم على الإتمام في الحَضَر، وذلك مَظِنّة وَهْمِ النقصان، فدَفَعَ ذلك عنهم.

ثم لا قصر في السنن لأن القصر للتخفيف على المسافر، والتخفيف يُحْتَاجُ إليه في الفرائض لأنها لازمة. كذا في «المحيط». وروى البخاري من حديث حَفْص بن عَاصِم قال: «سافر ابن عمر فقال: صَحِبْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبِّح في السفر وقد قال الله عزّ وجلّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. انتهى. ومعنى يسبح: يتطوّع بالصلاة. وقيل: يأتي بالسنن إذا كان في المنزل، ويتركها إذا كان في الارتحال».

فيقصر الفرض الرُّبَاعِي (إلى أنْ يَدْخُلَ بَلَدَهُ) الذي فارق بيوته وإن لم ينو الإقامة، لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام كانوا يسافرون ويعودون إلى أوطانهم مقيمين من غير عزم جديد. وهذا إن أكمل في ذهابه ثلاثة أيام. وأمَّا إن لم يُكْمِلْها، فيُتِمّ بمجرد رجوعه، لأنه نقض السفر قبل استحكامه. روى عبد الرزاق في «مصنفه» قال عليّ بن رَبِيعَة الأَسدي: «خرجنا مع عليّ رَضِيَ الله عنه ونحن ننظر إلى الكوفة فصلّى ركعتين، ثم رجعنا فصلّى ركعتين ـ وهو ينظر إلى القرية ـ فقلنا له: ألا تصلّي أربعاً؟ فقال: لا حتى ندخلها».

(أوْ يَنْوِي إِقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ بِبَلْدَةٍ أوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ) أي لا في مفازة (١) من غير ساكنيها، لأن الإقامة لا تعتبر إلاَّ في موضع صالح لها، وغير البلدة والقرية لا يصلح للإقامة إلاَّ لأهل الأخْبِيَة (٢) كما سيأتي. وهذا إذا سار ثلاثة أيام فصاعداً، وأمَّا إذا سار


(١) المفازة: الصحراء. المعجم الوسيط: ص: ٧٠٦، مادة (فاز).
(٢) الأخبية: جمع الخِبَاء وهو الخيمة كما سيأتي معناها من كلام الشارح قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>