للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبِصَحْرَاءِ دَارِنَا وهُوَ خِبَائِيّ، لا بِدَارِ الحَرْبِ، أوْ أَهْلِ البغْيِ مُحَاصِرًا،

===

قصدوا إقامة أكثر من أربعة أيام لأجل النُّسُك، فإنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الأحد صُبْحَ رابعة من ذي الحِجَّة، وبات بالمُحَصَّب (١) ليلة الأربعاء بعد أيام منىً، وفي تلك الليلة اعتمرت عائشة رَضِيَ الله عنها من التَّنْعِيمِ (٢) ، ثم طاف صلى الله عليه وسلم طواف الوداع سَحَراً قبل الصبح من يوم الأربعاء، وخرج صبيحته ـ وهو الرابع عشر ـ فتمت له عشر ليال.

نعم، يتأتى هذا الاحتمال في إقامته صلى الله عليه وسلم عام الفتح تسعة عشر يوماً فيما روى البُخَاري من حديث ابن عباس: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة تسعة عشر يوماً يَقْصُرُ الصلاة». وقد صَرَّحَ في بعض الطرق: «أقام بمكة عام الفتح». قال المُنْذِري: حديث أنس يُخْبِرُ عن مُقَامه صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع، وحديث ابن عباس يُخْبِرُ عن مُقَامِه في عام الفتح. وفي «الغاية»: عن العلماء في مدة الإقامة للمسافر ثمانية عشر قولاً.

(وبِصَحْرَاءِ دَارِنَا) عطف على «بلدة»، أي ويَقْصُرُ إلى أن ينوي الإقامة بصحراء دار الإسلام، (وهُوَ خِبَائِيّ) أي والحال أنه من أهل الخِبَاء وهي بكسر الخاء: الخيمة. والمراد أهل البادية كالأعراب والأتراك، لأن الصحراء موضع إقامتهم. وقيل: لا يَصح إقامتهم أبداً، لأن حالهم يخالف عزيمتهم. فإن إقامتهم للكلأْ فإذا لم يبق انزعجوا (٣) . وأُجِيبَ بأنهم مقيمون، لأن الإقامة للمرء أصل والسفر عارض، فلا يبطل بالانتقال من مَرْعى إلى مَرْعى.

(لا بِدَارِ الحَرْبِ) عطف على قوله: بصحراء دارنا، فإنه جعلَ نيّةَ الإقامة في صحراء دارنا غايةً للقصر، وحكم الغاية مخالف لحكم المُغَيَّا، فيكون حكمه عدم القصر. ثم قوله: لا بدار الحرب، نفي لذلك النفي، فيكون حكمه القصر. فالمعنى يقصر الرُّباعي عَسْكَرٌ نوى إقامة نصف الشهر بدار الحرب، سواء كان مُحَاصِراً لهم أو لم يكن.

(أوْ) بدار (أَهْلِ البَغْيِ) حال كون العسكر (مُحَاصِراً) للبغاة: وهم المسلمون الذين خرجوا على الإمام، لأن العسكر في دار الحرب ودار البغاة متردد بين الفرار والقرار، فتصير نية الإقامة فيه كنيتها في المفازة والجزيرة، فلا يقطع قصر الصلاة.


(١) المُحَصَّب: موضع بمكة على طريق مِنىً ويُسمَّى البطحاء. المصباح المنير ص: ١٣٨، مادة (حصب).
(٢) التَّنْعِيم: موضع قريب من مكة، وهو أقرب أطراف الحِلِّ إِلى مكة، ويُقَال بينه وبين مكة أربعة أميال، ويُعْرف بمساجد عائشة رضي الله عنها. المصباح المنير ص: ٦١٤، مادة (نعم).
(٣) أزْعَجْتُه عن موضعه: أَزَلْتُه عنه. المصباح المنير ص: ٢٥٣، مادة (زعج).

<<  <  ج: ص:  >  >>