ويُبْطِلُ الوَطَنَ الأَصْلِيَّ مِثْلُهُ، لا السَّفَرُ، ووَطَنَ الإِقَامَةِ
===
خلفه من لا يعرف حاله، ولا تَيَسَّرَ له الاجتماع به قبل ذهابه، فيحكم حينئذٍ بفساد صلاة نفسه بناء على ظن إقامته، ثم إفسادها بسلامه على ركعتين. وهذا محمل ما في «الفتاوى»: إذا اقتدى بإمام لا يدري أمسافر هو أم مقيم، لا يصح، لأن العلم بحال الإمام شرط الأداء بجماعة، لا أنه شرط في الابتداء لِمَا في «المَبْسُوط»: رجل صلَّى بقوم الظهر ركعتين في قرية وهم لا يدرون أمسافر هو أم مقيم، فصلاتهم فاسدة، سواء كانوا مقيمين أو مسافرين، لأن الظاهر من حال مَنْ في موضع الإقامة أنه مقيم، والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه. فإن سألوه فأخبرهم أنه مسافر جازت صلاتهم.
وإنما كان قول الإمام مستحباً لعدم تعيُّنه مُعَرِّفاً صحةَ صلاته لهم، فإنه ينبغي أن يُتِمُّوا ثم يسألوه فتحصل المعرفة. ثم من غريب المقام: أن الإمام أبا حنيفة صلّى بقوم في المسجد الحرام، فَلَمَّا انصرف قال: أَتِمُّوا صلاتكم فإني مسافر. فقال بعض المقتدين به من سفهاء مكة: نحن أعلم منك يا عراقي. (فقال أبو حنيفة: لو كنتَ أعلمَ مني لَمَا تكلّمتَ خلال صلاتك)(١) .
(ويُبْطِلُ الوَطَنَ الأَصْلِيَّ) مفعول مقدم، وهي البلدة أو القرية التي وُلِدَ بها أو تَأَهَّلَ فيها ـ أعني توطن بها ـ بأن نَوَى كونه فيها إلى آخر عمره. فالمعنى جعل نفسه من أهل تلك القرية، سواء تَزَوَّجَ فيها أم لا (مِثْلُهُ) أَلَا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة عَدَّ نفسه بمكة من المسافرين؟ وقال:«أَتمّوا صلاتكم فإني مسافر». فيُبْطِله مثله، سواء كان بينهما مدة السفر أو لم يكن، حتى لو عاد إلى الأول وبينهما مدة السفر، لا يصير مقيماً إلاَّ بنية الإقامة، لأن الشيء يبطل بمثله كما يبطل بأقوى منه. فإنّ وطن الإقامة يبطل بالوطن الأصليّ. وهذا إذا لم يبق له في الوطن الأول أهل ـ أي تَعَلُّق ـ من زوج، أو ولد، أو زراعة، أو نحوها. وأما إن كان له فيه أهل فإنه لا يبطل، وبأيهما دخل يتم الصلاة من غير نيّة الإقامة.
(لا السَّفَرُ) بالرفع أي لا يُبطل الوطنَ الأصليّ السفُر. بل بمجرد دخول المسافر إلى وطنه الأصليّ يصير مقيماً، ولا يفتقر إلى نيّة الإقامة.
(ووَطَنَ الإِقَامَةِ) منصوب عطف على الوطن الأصليّ أي ويبطل وطن الإقامة وهو البلدة أو القرية التي ليس للمسافر فيها أهل ونوى أن يقيم فيها خمسة عشر يوماً