يوسف ومحمد: لا بد من ذكر طويل يُسَمَّى خطبة عُرْفاً، وهو أن يُثْنِي على الله بما هو أهله، ويُصَلِّي على النبيّ صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين للتوارث، ولأن المأمور به مطلق الخطبة، فينصرف إلى المعهود المتعارف. قيل: وأقله قدر التشهد، لأن الواجب خطبة. والتحميدة الفردة، والتسبيحة الفردة لا تُسمَّى خُطْبَة في العادة.
ولأبي حنيفة إطلاق قوله تعالى:{فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ}(١) من غير فصل بين كونه ذكراً طويلاً يُسَمَّى خُطْبة، أو ذكراً لا يسمى خُطْبَة، فكان الشرط هو الذكر الأعم بالقاطع، غير أنَّ المأثور عنه صلى الله عليه وسلم اختيار أحد الفردين، أعني الذكر المسمى بالخطبة، والمواظبة عليه، فكان واجباً أو سنّة لا أنه الشرط الذي لا يُجْزِاء غيره، إذ لا يكون بياناً لعدم الإجمال في الذكر. وقد عُلِمَ وجوب تنزيل المشروعات على حسب أدلتها.
وقال الإمام القاسم بن ثابت السَّرَقُسْطِيّ في كتاب «غريب الحديث» من غير سند: رُوِيَ عن عثمان: «أنه صعد المنبر فأُرْتِجَ عليه ـ أي أغلق عليه ـ الكلام فقال: الحمد لله، إنَّ أول كل مَرْكَب صعب، وإنّ أبا بكر وعمر ـ رضِيَ الله عنهما ـ كانا يُعِدَّانِ لهذا المقام مقالاً، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وإن أَعِشْ تَأْتِكُم الخطبة على وجهها إن شاء الله تعالى». انتهى. وفي رواية زاد:«وأستغفر الله لي ولكم، فنزل وصلى بهم فلم يُنْكِر عليه أحد منهم». فكان إجماعاً منهم إمَّا على عدم اشتراطهما. وإمَّا على كون نحو الحمد لله ونحوها يُسَمَّى خطبة لغة، وإن لم يُسَمَّ به عُرْفاً. لكن قال ابن الهُمَام: ليس لهذه القصة أصل، فإنها لم تعرف في كتب الحديث بل في كتب الفقه. وأنكر ابن العربيّ وغيره هذا الأثر.
وإنما تَبِعَ صاحبُ «الهداية» ما ذُكِرَ في «المبسوط»، و «مُلْتَقَى البحار»، و «شرح البخاري» لابن بَطَّال، و «شرح مسلم» للخِلَاطي، وبعض المَؤرِّخين، لكنَّ المدار على رواية المحدثين المخرِّجين.
ثم القيام فيها، وتلاوة آية من كتاب الله، وذكر موعظة بتنذير وتبشير وبتقوى الله، والجِلْسَة بين الخطبتين بقدر ثلاث آيات قصار. وقيل: بقدر ما يَمَسُّ مَقْعَدُهُ المنبرَ.
والصلاة فيها على النبيّ صلى الله عليه وسلم سُنَّة عندنا لإطلاق الذكر في الآية، لا شرط كما قال مالك والشافعيّ. لأن الخطبة قائمة مقام شرط الصلاة لقول عائشة:«إنما قصرت الصلاة لأجل الخطبة، فيُشْتَرَطُ لها ما يُشْتَرَطُ للصلاة». وللتوارث على اشتمالها على