للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإِذْنُ العَامُّ

===

بعدها فعند أبي حنيفة، خلافاً لهما، والوجه ما قدمناه. وترك مالك تحديد الجماعة، واكتفى بوجود من يَقْرِي (١) بهم قرية من الذكور الأحرار بموضع يمكن الثُّوِيُّ (٢) فيه من بناء متصل، أو أخْصَاص (٣) ، مستوطنين على الأصح. وشرط الشافعي وجود أربعين أحراراً مكلفين، مقيمين في موضع لا يَرْتَحِلُون عنه صيفاً ولا شتاءً إلا لحاجة، سامعين الخطبة، لقول جابر: «مَضَتْ السُّنَّة أنَّ في كل ثلاثة إماماً، وفي كل أربعين فما فوقه جمعة، وأضحى، وفِطْراً». قلنا: هو ضعيف، حتى قال البيهقي: لا يُحْتَجُّ بمثله.

(والإِذْنُ العَامُّ) أي وشرط لأدائها الإذن العامّ لأنها من شعائر الإسلام، فيجب إقامتها على وجه الاشتهار بين الأنام، حتى لو أغلق الأمير باب قصره وصلى بعسكره لم يجز، ولو فتح باب قصره وأذِنَ بالدخول جازت مع الكراهة، كذا ذكره الشُّمُنِّي. وفي «المَبْسُوطِ»: إن الإذن العام هو أن تُفْتَح أبواب الجامع، ويُؤْذَنُ للناس حتى لو اجتمعت جماعة في الجامع وأغلقوا الأبواب وجَمَّعُوا لم تجز.

وكذا السلطان إذا أراد أن يُصَلِّي بِحَشَمِهِ (٤) في قصره، فإِنْ فتح بابه وأذِنَ للناس إذناً عامّاً جازت صلاته، شهدتها العامة أو لا، وإنْ لم يفتح بابه ولم يأذن لهم بالدخول لا تجزئه، لأن اشتراط السلطان للتحرز عن تفويتها على الناس، وذا لا يحصل إلاَّ بالإذن العام. وكما يحتاج العامة إلى السلطان في إقامتها، فالسلطان يحتاج إليهم: بأن يأذن لهم إذناً عامّاً، فبهذا يعتدل النظر من الجانبين.

ثم الجمعة بدل عن الظهر عندنا، وقال مالك والشافعي وزُفَر: هي فريضة أصالةً، والظهر بدل عنها، لأنه مأمور بأداء الجمعة، معاقب بتركها، ومنهي عن أداء الظهر، مأمور بالإعراض عنه ما لم يقع اليأس عن الجمعة. وهذا هو صورة الأصل مع البدل، ولا يجوز أداء البدل مع القدرة على الأصل.

ولنا: أن فرض الوقت الظهر في هذا اليوم في حق الناس كافة ـ كما في سائر الأيام ـ بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم «أول وقت الظهر حين تزول الشمس» (٥) . مطلقاً غير


(١) يَقْرِي: يجمع. القاموس المحيط ص ١٧٠٦، مادة: (قرى).
(٢) ثَوَى بالمكان: أي أقام واستقر. المعجم الوسيط، ص: ١٠٣، مادة (ثوى).
(٣) أخصاص: جمع الخُصّ وهو بيت من شجر أو قصب، أو البيت يسقف بخشب. المعجم الوسيط ص: ٢٣٨، مادة (خصّ).
(٤) الحَشَم: الخدم. مختار الصحاح ص ٥٨، مادة: (حشم).
(٥) أخرجه الترمذي ١/ ٢٨٣، كتاب أبواب الصلاة (٢)، ما جاء في مواقيت الصلاة (١)، رقم (١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>