للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذَا أَذَّنَ الأَوَّلَ تَرَكوا البَيْعَ وسَعْوَا

===

يجب على من هو أبعد منه خلافاً لمحمد ـ كما في رواية عنه ـ، لتناول الأمر بالسعي إياه. وعنه: ستة أميال، وهو رواية عن أبي يوسف. وعنه: بريد (١) ويوجبها أبو يوسف على من كان داخلاً حد الإقامة الذي من فارقه يصير مسافراً، ومن وصل إليه مقيماً، وهو الأصح، لأن وجوبها مختص بأهل المِصْر، والخارج عن هذا الحد ليس من أهله حقيقةً ولا حكماً. وشرط محمد لوجوبها سماع الأذان من أعلى مكان في الجامع. وفي ظاهر الرواية: لا يجب على من كان خارج الرُّبْضِ (٢) .

(وإذَا أَذَّنَ الأَوَّلَ) وهو الأذان على المنارة، الذي أُحْدِثَ في زمان عثمان على الزَّوْرَاء ـ وهي دار بسوق المدينة مرتفعة ـ لما روى الجماعة إلاَّ مسلماً من حديث السائب بن يزيد (٣) قال: «إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يَجْلِسُ الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فَلَمَّا كان في خلافة عثمان وكَثُرُوا، أَمَرَ بالأذان الثالث، فأُذِّن على الزَّوْرَاء». زاد ابن ماجه: «على دار في سوقٍ يُقَال لها الزَّوْرَاء، فثبت الأمر على ذلك». وسُمِّيَ هذا الأَذان ثالثاً باعتبار الشرعية، لأن الأول فيما بين يدي الإمام، والثاني إقامة الصلاة.

(تَرَكُوا البَيْعَ) وما في معناه من الشغل المانع عن الحضور. وعامة العلماء على أن البيع يَحْرُم إلاَّ أنه صحيح. وقال مالك وأحمد بن حنبل: إنه فاسد.

(وسَعَوْا) لقوله تعالى: {إذا نُودِيَ للصَّلَاةِ من يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ} (٤) ، وفي قراءة شاذة: فامضوا، وهي تدل على أنَّ السعيّ ليس بمعنى الإسراع. وقال الطحاويّ: إنما يجب السعي وترك البيع إذا أَذَّنَ الأَذان الذي يكون والإمام على المنبر، لأنه الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، والأول أصحُّ، واختاره شمس الأئمة لحصول الإعلام به، ولأنه لو انتظر الأذان عند المِنْبَر يفوته أداء السنة وسماع الخطبة، وربما تفوته الجمعة إذا كان منزله بعيداً من الجامع.


(١) حُرِّفَت في المطبوع إلى: وعن يزيد. والصواب ما أثبتناه من المخطوط. والبريد: مسافة قدرها ٤ فراسخ = ١٢ ميلًا= ٤٨٠٠ ذراعًا= ٢٢١٧٩ مترًا. معجم لغة الفقهاء ص ١٠٧.
(٢) الرُّبْض: سبق شرحها، ص: ٢٧٨، التعليقة رقم: (١).
(٣) في المخطوط: ثابت بن يزيد، والمثبت من المطبوع. وهو الصواب لموافقته لرواية البخاري، (فتح الباري) ٢/ ٣٩٣، كتاب الجمعة (١١)، باب الأذان يوم الجمعة (٢١)، رقم (٩١٢).
(٤) سورة الجمعة، الآية: (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>